يحدث الآن في أمريكا ما كانت تخشاه منذ عقود، وما كانت تحاربه – أو تدّعي محاربته – في الشرق الأوسط وأفريقيا: شغبٌ في الشوارع، وفوضى تزداد كلما حاولوا “ضبطها”. لكن مهلاً… من علّم العالم الشغب أولاً؟
أمريكا التي لا تنام عن زرع الفتن والتدخلات في كل شبر على الخريطة، تصحو الآن على مشهد لم تعد تسيطر عليه: مظاهرات غاضبة، صدامات مع الشرطة، حرائق هنا وهناك، وتغوّل عنصري فج، يوقظ أشباح التاريخ الأسود في المجتمع الأمريكي.
ثم تأتي المفارقة الكبرى: حين تصدر أمريكا أفارقتها ومهاجريها إلى بلدان مثل تونس والجزائر وليبيا، دون رقابة ولا تنظيم، ليُلقى بهم في أحياء مهمّشة يتحول بعضها إلى بؤر للجريمة والفوضى، تتدخل منظمات “حقوق الإنسان” و”شؤون اللاجئين” بمجرد أن تحاول تلك الدول تنظيم الوضع أو ترحيل من خالف القوانين. تنقلب الدنيا، وتبدأ الحرب الإعلامية الشعواء.
أمريكا، التي تطرد المهاجرين من حدودها بلا رحمة، تضع أطفالهم في أقفاص، وتفصل العائلات على حدود المكسيك، تُطالبنا بضبط النفس والرحمة والشفافية. تُطالب الدول الصغيرة بإيواء الجميع، بينما لا تتحمل هي نفسها اللاجئ إن لم يكن نافعًا اقتصادياً أو أبيض البشرة.
يا سادة، إن السحر قد انقلب على الساحر.
زرعتم الفوضى، دمرتم مؤسسات الدول، وفتحتم أبواب الهجرة بلا عودة، ثم غضبتم حين تحوّل العالم إلى مرآة لكم.
تونس والجزائر وليبيا، ليست موانئ استلام نفايات بشرية نتجت عن عبثكم. المهاجرون الأفارقة بشر، نعم، ولكن لا يحق لدولة أن تفرض علينا كيف نُنظم حدودنا، بينما تبني هي جدارًا مع المكسيك وتُبرّر إطلاق النار على العابرين!
عندما نحاول أن نحمي سيادتنا، يُقال لنا إننا عنصريون. وعندما تحمي أمريكا نفسها، يُقال إنها “تحمي أمنها القومي”.
لقد صنعتم شغبًا عالميًا باسم الحرية، وأنفقتم المليارات على تغيير أنظمة لا تروق لكم، ثم جلستم تلومون العالم حين بدأ يتنفس الفوضى التي صنعتموها.
نعم، في الشوارع الأمريكية اليوم شغب، لكنه ليس كأي شغب. إنه الدرس… حين يخرج تلميذ الفوضى عن سيطرة أستاذه تحياتي نجوى نصر الدين