في العام الدراسي 1984 – 1985 كنت بالصف الأول الثانوي، وكان الأستاذ قناوي حسين هو معلّمي لمادة الفيزياء، وحقيقة كانت تلك المادة من المواد الصعبة التي جعلتني أتّجه فوراً في الصف الثاني إلى القسم الأدبي! ومرت سنوات طويلة لم ألتق خلالها الأستاذ قناوي، غير أنني لم أنسه قَطّ، فقد كان شخصية لها “كاريزما” خاصة، كما أنه كان متميزاً في مادته التي لم أكن أميل إليها كثيراً، وقد أخذتنا – أنا وأستاذي – سنوات الغربة. قبل أشهر، وفي اتصال هاتفي مع الصديق العزيز د. أحمد منصور، وجدتُني أقول له “يا اخي مش عارف ليه كتبت في صفحتي (شخصيات لا تنسى) عن معظم أساتذتي، لكنني حتى الآن لم أكتب عن أستاذين؛ قناوي حسين، ومحمود أبوالحج، فقال لي بخفّة روحه المعهودة “عشان انت كنت أدبي”! *** وُلد الأستاذ قناوي حسين حسن السيد (67 عاماً) في أحد بيوتات عائلة الهداورة الكرام، في 22 يناير 1957، وعقب حصوله على الثانوية العامة، تمنى الالتحاق بالكلية الفنية العسكرية، حيث كان يحلم بارتداء البدلة العسكرية، لكن لأن القدر له تصاريفه التي لا نتوقعها، فإنه لم يجد من يرشده أو يوجهه الوجهة الصحيحة، فالتحق بكلية التربية بقنا التي حصل منها عام 1979 على بكالوريوس علوم طبيعة وكيمياء بتقدير جيد جداً مع مرتبة الشرف، وكان الأول على دفعته، التي كان من زملائه فيها الأستاذان القديران محمود أبوالحج (أحياء)، وحسني حسين توفيق (فيزياء). أحسّ الشاب النّابه بأن الدنيا ابتسمت له، وسيصبح معيداً ومن ثم أستاذاً جامعياً مرموقاً، بيد أن يد القدر تدخّلت مرة أخرى، ولم يتم تعيين معيدين جدد في ذلك العام. تسلّم الأستاذ قناوي عمله بمدرسة قنا الحديثة، عام 1979، ومع بداية عام 1981 نقل إلى الوقف الإعدادية، ليتزوج بعدها بعام واحد من شريكة حياته، التي أكرمه الله منها بابنته الوحيدة الدكتورة إيمان، ثم يصبح عام 1982 من الرعيل الأول المؤسس بمدرسة الوقف الثانوية (حسني عبادي حالياً). *** بعد انتقال الأستاذين عبدالعزيز محمد ومصطفى دسوقي إلى الألومنيوم والقاهرة، تربّع الأستاذ قناوي على عرش “الفيزياء” بالوقف لعدة سنوات، وصار (ملكاً) عليها حتى عام 1988، عندما أُعيرَ إلى سلطنة عمان التي ظلّ بها حتى عام 1996. وطوال 14 عاماً بين عامي 1996 و2010 سافر أكثر من مرّة إلى السعودية، وتنقّل بين أكثر من مدينة بها، حيث كان يُطلَب بالاسم، وذلك بناء على خبرته وشهرته واسمه الذي صار عَلَماً في الفيزياء، حتى قرر بشكل نهائي عام 2010 عدم السفر مرة أخرى. *** من أبرز تلاميذه د. محمد بلَيّ (عميد هندسة أسوان)، ود. خالد كمال، ود. محمود القهيوي، وابنته د. إيمان قناوي. سألته عن (أعزّ) أصدقائه، فقال: الأستاذان الراحلان إبراهيم عبدالرحمن وحسين درويش… والعمدة خالد محمود إبراهيم، رحمة الله عليهم أجمعين. عقب استقراره في مصر، وعودته لعمله، تعرّض الرجل لبعض المناوشات والمشاكسات، لكنّه بهدوئه وروّيته و”وُسْعِ باله”، خرج منها جميعاً – بفضل الله – بانتصارات لمصلحته… وبكثير من الاعتذارات! وبعد خروجه على المعاش عام 2017، تفرّغ “أستاذ الفيزياء” لرعاية حديقته الممتدة على مساحة أكثر من خمسة أفدنة، والتي يزرعها بأشجار المانجو، ليصبح معها أيضاً (ملك المانجو)، وتتوسط فيلّته الجميلة مساحة الحديقة. وعندما سألته عن أمنيته التي لم يحققها حتى الآن، قال “نفسي أبني مسجد، وأسأل الله أن يعينني على تحقيق تلك الأمنية”. وأنا خارج من عند أستاذي، سألتُ نفسي عن العلاقة بين الفيزياء والمانجو، ومن ثَمّ ابتسمت – بيني وبين نفسي – عندما تذكّرت أنهما تشتركان معاً في وجود… “النواة”!! منقول من الاستاذ خالد ربيعي شخصيات لا تنسى