خلال إجازتي الأخيرة، اتصلت بأستاذي العزيز محمود أبوالحج، وقلت له: عاوز آجي أسلم على حضرتك، فقال لي: تشرّف في أي وقت.
تواعدنا أكثر من مرة، لكنّ الظروف كانت تُعاكس، ثم زرته مساء يوم 30 أبريل، وانتهى اللقاء عند الساعة العاشرة، دون أن أخبره بأنني سأتحرك إلى مطار الأقصر بعد ساعتين!! *** قبل أكثر من 40 عاماً من الآن كنت تلميذاً بمدرسة الوقف الإعدادية، وكان الأستاذ محمود يدرّسنا مادة الأحياء، ورغم أنه كان في عامه الأول بالتدريس، فإنه استطاع أن يحببنا في المادة، بأسلوبه الممتع في الشرح، وتبسيطه المعلومة، فضلاً عن تعامله معنا بلطف وود وأبوة حانية! كانت هناك ثلاثة أشياء لطيفة تُميّز الأستاذ محمود دوماً؛ شياكةً لافتة، بمعنى أنه كان “يطقّم” بشكل مدهش، وعلبة السجائر السوبر، (رفيقته الدائمة)، وتميُّزه في الشرح والتبسيط والرسومات… للخلية والنواة والكروموسومات! *** وُلد الأستاذ محمود محمد حسن عثمان (70 عاماً)، بناحية السنابسة في 15 مارس 1955، وهو نفس العام الذي أدى فيه والده الراحل فريضة الحج، فاشتهر بلقبه “محمود أبوالحج”.. عقب حصوله على الشهادة الإعدادية؛ عشق “الفَكّ والتركيب”، وتمنّى – في قرارة نفسه – أن يلتحق بـ “دبلوم صنايع قسم كهرباء”، ليمارس هوايته… لكنّ القدرَ كان له ترتيب آخر…. في عام 1975 حصل على دبلوم المعلمين، (وقد تزامل خلاله مع أخي عبدالصمد، بارك الله في عمره)، لكنه لم يُعيّن بالدبلوم، إذ قَدّم على كلية التربية، ورغم أنه كان يحب مادة الرياضيات، فقد تم قبوله بقسم “التاريخ الطبيعي”، الذي يشمل الأحياء والكيمياء والجيولوجيا. مع مطلع فبراير 1981 تم تعيينه مدرساً بناحية العسيرات في فرشوط، ولم يبق هناك سوى أسبوع، نقل بعده إلى مدرسة الوقف الإعدادية، براتب 39 جنيهاً… بحالهم! كنتُ وزملائي أول دفعة يدرّسها، وعند انتقالنا إلى المرحلة الثانوية في العام الدراسي 1984/1985 انتقل (معنا) إلى هناك، وسعدتُ أيضاً بتدريسه لنا مادتي الأحياء والكيمياء. ونظراً لتميّزه في مادته، وإخلاصه في عمله، فقد حاز محبة طلابه وتقديرهم، كما نال رضا إدارات المدرسة المتتابعة، وربطته علاقة احترام وتقدير مع المدير الأستاذ محمد بهيج، الذي كان – بالمصادفة – مدرساً للأحياء مثله، كما يقول عن أستاذنا الراحل (الجنرال) إبراهيم عبدالرحمن (يرحمه الله)، إنه كان من أفضل المديرين على مستوى إدارة الوقف. بين عام 1998 وحتى خروجه على المعاش عام 2015، عمل الأستاذ محمود أبوالحج موجهاً لمادته الأثيرة؛ الأحياء، وهو يَعتبر الأستاذ صلاح محمد علي – بارك الله في عمره – (خليفَته في الملاعب). *** مارَسَ الأستاذ محمود هوايته في لعبة البنج بونج، التي تعلمها في مركز شباب الوقف، وفي أثناء خدمته العسكرية أيضاً، كما لعبها مع أستاذنا الراحل أبوالسعود عبداللطيف، يرحمه الله. من أعز أصدقائه أستاذنا الشيخ حلمي محمود، والأستاذ عبدالناصر فاوي، والشيخ أبوالسعود حمادة، ومن المدهش أنه لا يزال على تواصل مع زملاء دراسته بـ “التربية” من بمحافظتي قنا والأقصر. كما أن من أبرز تلاميذه الدكاترة خالد كمال، ومحمد هلَيّل، وجمال عويس، وعبدالعزيز الألفي، وم. صالح جاد، والأستاذان عبدالناصر عبدالراضي الضاوي، ومجدي حسن إبراهيم، وغيرهم كثير… ولأن أستاذنا القدير، راعى الله في عمله وأخلص له، فقد أكرمه في ذرّيته، حيث تخرَّج ابنه الأكبر محمد بكلية الهندسة، ويعمل بالقاهرة، ثم عبدالله (مهندس اتصالات، في شركة ابن سينا بقنا)، ثم عزة (بكالوريوس تربية – معلمة بالمراشدة)، وأخيراً أماني (صيدلانية في “التأمين الصحي” بالوقف). بارك الله في عُمْر أستاذنا الفاضل؛ (الحج محمود… أبو الحج) وفي أهله وذرّيته، وجزاه عنّا خيراً.