من المحزن أن نتذكر جميعا أن “اليوم” هو الغد الذي كنا قلقين عليه بالأمس. هذا ما آلت إليه أوضاع المنظومة التعليمية في الوطن العربي، باعتبارها تمثل السلاح الفتاك الذي ينتصر للمقاومة الفكرية في مواجهة نشر الجهل وسيادته. لقد مرت الأمة العربية بمرحلة تخطيط ممنهجة من إعداد و تصميم و وضع برامج تربوية فاشلة من خلال آليات مرحلية مهيمنة، الهدف منها طمس الهوية الثقافية و اللغوية والفكرية العربية. حيث أدى تفاقم الأحداث إلى استهداف أطروحة الموروث العلمي العربي من خلال القرصنة و عملية الانتحال. لكن علينا أن نؤكد ابتداء، مدى خطورة عدم الجدية في تقييم المشروع الغربي و عدم اتخاذ القرارات اللازمة في الوقت المناسب، الذي أسهب تدريجيا و بشكل واضح في دمار المنظومة التعليمية. كما لا يمكن أن نقبل بالصمت أمام ما تقوم به الحكومات المتعاقبة من إصلاحات وهمية في تواطؤ مستمر مع الغرب. كما لا يمكن صرف النظر على انخراط النخبة السياسية في عملية تقييد الصلاحيات بمقتضيات بنود قانونية، تمت من خلالها إعادة تدوير صياغة مجموعة من النصوص المناهضة ضد التطور العلمي والتكوين التربوي من غرض حماية الفساد، الذي أفقد قيمة المهارات الإبداعية في جميع المجالات العلمية منها والفكرية والثقافية و الإقتصادية… ما نجم عن ذلك تفشي ظاهرة البطالة في صفوف الكفاءات من الشباب، نتيجة التفريخ المستمر لخريجي الجامعات والمعاهد العليا، هذا لا يستثني عملية المغادرة الطوعية المبكرة للعدد الكبير، المخيف و المخيب للأمل من طلاب الأقسام الأولية و الثانوية. ما أدى بشعوب الأمة العربية إلى الاستياء العارم من عبارة (أنا من طرف فلان) و التي أصبحت تعادل تراكم سنوات عدة من الخبرات و دورات تدريبة مستمرة و رزمة من الشهادات العلمية المتنوعة.. لكن “حين يقود الأعمى القافلة، تصبح جميع المنعطفات إنجازاً خارقا” (مقولة). و حين يصبح الخوف من السلطة صناعة وطنية، تنحرف القيادة من تذليل الصعاب إلى إذلال للعباد. لذا فالحياة التي تدبر بعقل سليم، أفضل بكثير من حياة تدبر بكلام الناس. ممن يصعب عليهم التفكير الإبداعي فيقومون بالتضليل و إطلاق الأحكام المجانية الجاهزة على الآخرين. هكذا يرتبط عنوان الفساد بالشعوب التي تنتظر حتفها بعدما فشلت في تشخيص أورامها، نتيجة استعمال العلاج الخطأ. لذا يمضي بنا الزمن ولا نستوعب معنى الحياة، هل عشناها حقا أم إننا فقط كنا على قيدها أحياء، نظرا لضعفنا أمام القدر و فظاعة الأوضاع. لكن شخصية الإنسان العقلاني المتزن تفضل أن يفشل في إقناع الآخر بالدليل، على أن يفلح في هزيمته بالوعيد أو التهديد أو القوة. في هذه الحالة لا يمكن الخلط بين الحقيقة ورأي الأغلبية، لذا يراهن العقل السياسي في الأصل على إستغلال بعض الوعود ككومة من الغيوم، رعدها قوي ومطرها ضعيف. إذ من الصعب عليه إتقان مغزى الكلام، لأن خيره قليل الحروف، بليغ الأثر، كثير القطوف. هذا ما يؤكد على أن كثرة الكتب لا تدل على كثرة الفهم. حيث لا تتجلى المعرفة الحقيقية في سرعة الجواب أو كثرة الإدعاء أو كثرة الدهاء، بل في إدراك أن الإنسان لا يعرف شيئاً. لكن، لا بأس في أن ينعت المتحدث أحيانا بالأحمق ما دام المتلقي حكيماً يمتلك طابعا استثنائياً في انتظار المصادقة على استقلاليته.