إن”التاريخ يعيد نفسه مرتين في المرة الأولى كمأساة، وفي الثانية كمهزلة.” كارل ماركس. يقولون لا توجد فرصة ضائعة، ثم يؤكدون القول بأن الذل والفساد بحاجة إلى مساعدة سافرة، ليس لهم من دونها، أكبر من فضيحة كاشفة. قوة الحكاية في أصلها، لا هي في مجال تمويل الإبتكار و لا هي في دعم البحث العلمي ولا حتى في نصرة الحق على الظلم، بل في التأشير على استثمارات الوهم، لضمان البقاء و الخلود، لكن حقيقة الأمر هو خراب أمة من داخل الحدود، غايتها تأجيج جيل ساخط من شدة الضيق و الألم، وسط ثلة فاسدة منزعجة من أمة ترى ولا تتكلم، تتنبأ بنهاية مجتمع صارخ، يستغل سكوت الحكماء ليجري في مجرى السفهاء، دعما لكيانهم الذي عادة ما يساهم بشكل مباشر في دمار عقول الشباب. “تبدأ الحرية حين ينتهي الجهل، لأن منح الحرية لجاهل كمنح سلاح لمجنون.” فيكتور ايگو. حين يقر الفاسد بسلب حريته و ضياع استقلال أمته، ثم يرضى بأن يضع يده في يد غاصبه، يعتبر حينها من أحقر البشر و أحطها مكانة وموقفا. فعندما يعجز الإجبار القسري في تلقي الفضيلة على تقويم إنسان فاضل، و لا تستطيع إلزامية الإيمان أن تصنع إنسانا مؤمنا. نلجأ إلى الحرية كأساس للفضيلة والإيمان، مبادئها تمنع على المرء أن يقوم بما يريد، كما لا يفرض عليه ما لا يريد. لأن الأمة التي تخفق في تقدير الكرامة الإنسانية، ستتعثر حتما في كل ما يؤطر مسار التنمية بما فيها ما يدبر أهم متطلبات البشرية. لقد أصبح العمق الإستراتيجي للفساد بمثابة بنية مركبة تنخر المجتمعات العربية والغربية على الواضح، تعددت أسبابها و مبرراتها. استسلم فيها الضمير إلى النزوات الزائلة في اغتيال صريح للإختيارات السليمة في بناء مجتمع متكامل. كان من الواجب أن تفعل بنود القانون مثل الموت الذي لا يستثني أحدا، من أجل الارتقاء بمستوى العلاقات العامة والفكر والإبداع والحريات. إذ يرتبط ارتقاء المجتمعات بعلاقة كبار رجالاتها عندما يقومون بغرس أشجار، وهم يعلمون أنهم لن يستظلون تحتها. من سوء حظي، دائما أرغب في أن ألتزم الصمت، لكن عقلي لن يكف عن الكلام مع ضميري حين عرفت أن الإطار المرجعي الخاطئ الذي نعيش به جميعاً هو الزمن، وأن بعض الجهلاء تكفلوا بتحقيق أمنيات أعدائهم، و أعادوا أوطانهم قرنا إلى الوراء، ومازالوا يمولون خرابهم، ويقتلون أبنائهم، كي ينعم عدوهم بملايير الأشقياء. حقيقة الأمر أن الأخلاق والقيم والأعمال النبيلة لا تقاس بناطحات السحاب أو المتاجر الكبرى المصنفة في بيع الألماس والذهب أو الفنادق الفخمة…… بل الاستثمار في الإنسان في مجال الأخلاق والقيم والفكر والإبداع و حريات الأفراد وكرامتهم، الغاية من ذلك ضمان الحياة الكريمة والتعليم الجيد والعدالة المستقلة. يشهد التاريخ أنهم مفترون، و يعلمون ذلك و متأكدون أننا نعلم أنهم كاذبون، و رغم ذلك فهم يكذبون بأعلى صوت، لكنهم أقتربوا من حصاد ما تم زرعه. إنه إعلان نهاية بنية فاسدة عاجلاً أم آجلا، القليل من يعرف الكثير عنها. الحمد لله الذي من على العرب بجامعة عربية يجتمعون تحت سقفها الفسيفسائي من أجل الإجتماع فقط، تتوفر على ركن شاسع أمام المبنى الشامخ، يتسع لأكثر من مائة سيارة فاخرة. حسب تقييم النازلة، أن أعظم خطأ يرتكبه الإنسان في قياس التحصيل المادي والمعنوي،اعتقاده أن الحياة سهلة أو عادلة في منهجها التقويمي الشامل، اعتقادا أن إمكانية التجاوز بها ضئيلة. لكن الحياة مليئة بالمعاناة، ومن يفهم حقيقة هذا المنطق الاشتباهي، لايصاب بخيبة أمل عندما يواجه المصاعب، لأنه يدرك أن محور الحياة بمثابة سلسلة من أنماط التفكير والتحديات، فلا يبحث عن العدالة بل يسعى إلى الحكمة التي تجعله قادراً على التكيف مع قسوة الحياة. دون شك ستثير هذه الفكرة الكثير من الجدل، قد تطرقت لأنماط القلق المنتشرة بقوة. لكن من أجل الإرتقاء بأوطاننا، نحن بحاجة إلى رؤية أكثر دقة وقربا من ماهيات الأشياء والظواهر، كذلك إلى توجهات و تصورات مثالية جديدة تساير التطورات نحو أهدافها الكبرى عوض الزحف بها صوب صورها النمطية المنحطة.