كتبت نجوى نصر الدين رؤية من يريد أن يبني وطنًا، فليبدأ ببناء الإنسان تلك ليست جملة إنشائية، بل هي القاعدة التي قامت عليها أعظم الحضارات وانهارت بسبب غيابها ممالك وجيوش وأبراج من وهم. فالدولة التي تُهمل بناء الإنسان، تُعلن ضمنيًا عن قبولها بانهيارات لاحقة، قد تبدأ بالتعليم وتنتهي بالهوية. لقد انشغلت الحكومات، مرارًا، ببناء الجسور والمشاريع ونسيت أن الإنسان هو الجسر الأول الذي يُعبر عليه الوطن نحو المستقبل. كيف يُطلب من مواطن لم يُمنح تعليمًا كريمًا، أو صحةً آدمية، أو ثقافةً تُنير عقله، أن يحمل راية بلاده؟ كيف نُعاتب من لم نبنه؟ كيف نُحمّل الضعيف ذنب سقوط جدارٍ لم نُعلّمه كيف يرفعه؟ في كل أزمة نواجهها، يظهر جليًّا أثر ذلك الإهمال التاريخي: موظف لا يدرك دوره، معلم بلا حافز، طبيب يهاجر، شاب تائه، ومجتمع يُدار بالصدفة أو الخوف. ولم يكن ذلك ليحدث لو أن الإنسان كان هو المشروع الأول. بناء الإنسان لا يعني فقط تلقينه أو تعليمه، بل يعني تمكينه، وتحفيز ضميره، وفتح النوافذ أمامه ليرى العالم ويُدرك ذاته. الإنسان الذي نريده ليس مكررًا ولا مبرمجًا، بل ناقدًا، محبًا، مسؤولًا، ومؤمنًا أن له قيمة. فإذا خسر الوطن أبناءه، ما الذي تبقى ليُسمّى وطنًا؟ الأنظمة التي استثمرت في الإنسان، حصدت مواطنًا فاعلًا، وابتكارات، ومجتمعًا حيًّا يُعيد إنتاج القوة كل يوم. أما من ترك الإنسان في الهامش، فقد بنى مدنًا باردة تسكنها أجساد مُنهكة وأرواح تائهة. من يريد أن يبني وطنًا، فليبدأ ببناء الإنسان. فلن تُجدي المظاهر حين تتصدّع القيم، ولن تُغني الشعارات حين يُصبح الإنسان بلا انتماء ولا إحساس بالمسؤولية تحياتي نجوى نصر الدين