أدى الصراع الاجتماعي و تنوع النظريات التقليدية والسوسيولوجية واختلاف توجهاتها إلى اختراق الحضارة العربية من الغرب، و استبدال بنية العقل العربي التراثية ببنية حداثية عن طريق زرع العقل الغربي المعرب نتيجة عدة أسباب و عوامل وأحداث منها: – توغل الاستعمار بأساليبه اللاإنسانية – فتح باب الهجرة من أجل استقطاب اليد العاملة بعد الحرب العالمية الثانية. – تشجيع كل ما يتنافى والقيم من تصرفات لا أخلاقية – تبني مفهوم الحريات الفردية والجماعية السلبية اللامشروطة من غرض طمس الهوية العربية الإسلامية. – الاستلاب السهل و الرخيص لشرعية التراث والأصالة العربية.
لكن في الآونة الأخيرة، و رغم الزخم الكبير المركب لكل المغريات التي تعج بها الأوساط الشبابية، استفاق أغلب شباب الأمة العربية من سبات الغفلة، الذي نتجت عنه غيبوبة طويلة المدى، بنظرة متفائلة و رغبة سليمة إلى الحنين والعودة إلى الماضي و الأدوار التقليدية التي تستثني المجتمعات العربية عن الغرب، من تماسك أسري و نخوة وشهامة وعادات تثمن الإرتقاء الفكري و الثقافي والحضاري. هذا ما يبشر على التفاؤل و الإقرار بالنضج المعرفي لمجريات الأحداث الدقيقة التي يمر منها الغرب و التقييم الجدي للأوضاع الراهنة. في حين أننا لم نكف عن سرد الهزائم والخسائر التي ألحقت بنا متأثرين بالمآسي والأحزان، لكن رغم كل هذا لقد حانَ الوقت لكي نتفرغ إلى العمل على التركيز عن أسباب الأزمات المستعصية التي ألحقناها بأنفُسِنا لتكون بداية رُشدنا ووقفة تأمل تساهم في الارتقاء والسمو بالعقل العربي. فمن لم يرضى اليوم بقبول النصيحة مجانا، سوف يضطر غذا إلى اقتناء الأسف بأغلى الأثمان من متاجر الألماس. غالبا ما يكبر الإنسان ثلاثة أضعاف عمره عندما يحاول التأقلم مع حياة ليست مناسبة له كحضارة فكرية عريقة بثقافتها وعاداتها و تقاليدها الأصيلة. لأن الحياة ميدانا شاسعاً لكشف الأسرار والتساؤلات الكبرى، حيث يبدأ الإنسان الحياة محاولا فهم كل شيء، وينهيها بحثا عن النجاة من كل ما تمكن من فهمه. ثم فجأة ومع تقدم الأيام، يجد نفسه متواريا خلف حطام الأجوبة، باحثا بشتى السبل عن مخرج من سطوة ما أدركه عقله من مخالفات الآخرين وأساليبهم الضيقة الفاسدة الضعيفة. إنها معادلة و جودية مقلقة متشعبة في جسد التجربة البشرية، يشد بعضها بعضا في سلسلة من الأسئلة: كيف يكون الفهم انطلاقة مبهجة، ثم يغدو دامغا يثقل كاهل صاحبه في نهاية المطاف؟ وهل في التراكم المعرفي معنى، أم أنه طريق يؤدي بنا إلى العجز؟ وهل خلاص الإنسان في أن يفهم، أم في أن ينسى ما فهم، أم في أن يتعالى على ذلك الفهم نفسه؟ حين تلقي هذه العبارات بظلالها الكثيف كإشكالية جادة على الذهن، يتبادر إلى العقل إعادة بناء الفكر الذي هو بحاجة إلى مراجعة مفاهيمه و تصوراته، من أجل مشروع إصلاحي شمولي يطمح إلى إعادة بناء الذات العربية وإعادة ترتيب علاقتها بالزمن وسط مجموعة بشرية محاطة بهالة استثنائية تدل على الغرابة.