كتبت نجوى نصر الدين مظهر بلا مضمون! في الوقت الذي يُفترض فيه أن تكون المؤسسات التعليمية حاضنة للمعرفة، وبانية للعقول، يبدو أن جزءًا كبيرًا من سلطة التعليم اليوم ينزاح شيئًا فشيئًا نحو التركيز على المظاهر الشكلية والإنجازات الورقية، بدلًا من الاستثمار الحقيقي في جودة التعليم ومحتواه. فقد باتت الكثير من السياسات التعليمية تتجه نحو تحقيق معايير إدارية وجمالية، مثل نسب النجاح المرتفعة، والشهادات المعتمدة، والتقارير الملونة، في حين يُغفل عمق ما يُقدم داخل الفصول الدراسية. هذا التوجه، الذي يبدو من الخارج تقدميًا، يخفي وراءه أزمة حقيقية: فراغ في المحتوى، وتراجع في التفكير النقدي، وإضعاف لقدرة الطالب على الفهم والتحليل. وفي هذا السياق، يُلاحظ أن بعض المدارس والجامعات باتت تركز على اجتياز الطلبة للاختبارات الموحدة، وتحقيق مراكز في التصنيفات المحلية والدولية، أكثر من اهتمامها بتطوير المناهج أو دعم المعلمين أو تحفيز الطلبة على التعلم الفعّال. تتحول بذلك المؤسسات التعليمية إلى واجهات براقة، لكنها تخلو من الجوهر. ويؤكد عدد من التربويين أن هذا التوجه لا يخدم العملية التعليمية، بل يضر بها على المدى الطويل، حيث يتحول التعليم إلى ممارسة بيروقراطية تُقاس بالأرقام لا بالنتائج الفكرية. كما أن المعلم، وهو العنصر الأهم في المنظومة، يُحمَّل أعباء تنفيذ سياسات لا تمتّ بصلة لرسالته الأساسية، مما يؤثر على أدائه ودافعيته. إن التعليم الجيد لا يُقاس فقط بالشهادات أو بعدد الخريجين، بل بنوعية الأفراد الذين ينتجهم، وقدرتهم على المساهمة في مجتمعاتهم. وإذا لم يُعاد النظر في طريقة توجيه السلطة التعليمية، فإننا أمام خطر إنتاج أجيال تعرف كيف تنجح في الامتحانات، لكنها تجهل كيف تواجه الحياة. العودة إلى الجوهر، والابتعاد عن النماذج الخاوية، أصبح ضرورة لا خيارًا، إذا أردنا حقًا أن نبني مستقبلًا معرفيًا يستند إلى الفهم، لا إلى الحفظ والتقليد. ووفقًا لرؤيةالمفكر الفرنسي بيير بورديو، تُعتبر المدرسة أداة لإعادة إنتاج التراتبية الاجتماعية، حيث تُكرس الفوارق الطبقية من خلال المناهج والأنشطة التي تُعد الطلاب لأدوار محددة في المجتمع فقد أظهرت الدراسات أن استخدام أساليب القيادة التسلطية في المؤسسات التعليمية يؤدي إلى مقاومة سلبية من جانب أعضاء الفريق، ويؤثر على تنمية المهارات الإدارية للعاملين . من هنا، تبرز الحاجة إلى إعادة توجيه سياسات التعليم نحو التركيز على الجودة والمحتوى، بعيدًا عن النماذج الشكلية الخاوية. يجب أن يكون الهدف الأساسي هو تنمية التفكير النقدي والإبداعي لدى الطلاب، وتمكينهم من مواجهة تحديات الحياة والمجتمع. إن التعليم ليس سلعة، ولا عرضًا تسويقيًا، بل هو مسؤولية اجتماعية عظيمة. وإذا استمرت السلطة التعليمية في توجيه دفتها نحو النماذج الخاوية، فإن الخسارة ستكون فادحة، ليس على مستوى الأفراد فقط، بل على مستوى المجتمع بأسره تحياتي نجوى نصر الدين