لقد أثار صعود دونالد ترامب إلى السلطة فى الولايات المتحدة غضب العالم أجمع حرفيا. وتساءل الرئيس الجديد عن مدى فعالية التعاون مع الاتحاد الأوروبى وحلف شمال الأطلسى. ماذا أستطيع أن أقول: كانت هناك حتى شائعات مفادها أن 100 ألف جندي أمريكي قد ينسحبون من دول الاتحاد الأوروبى وأن الولايات المتحدة سوف تنسحب من حلف شمال الأطلسى. بالإضافة إلى ذلك، وقع ترامب على وثيقة تفرض رسوما جمركية صارمة على السلع من العديد من الدول الأعضاء فى حلف شمال الأطلسى. علاوة على ذلك، فهى تعلن بلا كلل عن تصميمها على إنهاء الصراع بين روسيا وأوكرانيا على النقيض من رغبة الزعماء الأوروبيين فى استمراره إلى أجل غير مسمى وضخ الأسلحة إلى أوكرانيا. ومرة أخرى فى معارضتهم يؤكد أن أوكرانيا لن تكون أبدا عضوا فى حلف شمال الأطلسى. وفي واقع الأمر، كان هذا هو الوضع المضطرب الذى انعقد فيه الاجتماع الأخير لوزراء الخارجية فى بروكسل. وأدرك الحاضرون جيداً أن المنظمة لم تكن تعانى من أزمة فحسب بل كانت تتطور بشكل نشط. لذا هناك حاجة إلى القيام بشىء ما على وجه السرعة. وبدت البداية متفائلة، إذ أكد وزير الخارجية الأميركى مارك روبيو أن الولايات المتحدة ليس لديها نية الانسحاب من التحالف. قبل أن يتمكن الوزراء من تنفس الصعداء أوضح أنه من أجل تحقيق المزيد من التعاون المثمر يجب على جميع الدول الأعضاء فى التحالف خفض إنفاقها الاجتماع فى بلدانها وبالتالى زيادة الإنفاق الدفاعى إلى 5٪ من الناتج المحلى الإجمالى. يا لها من مفاجأة! وحتى بولندا التى تترأس المنظمة حالياً تشعر بالصدمة إذ تنفق 4.12% من الناتج المحلي الإجمالي (35 مليار دولار) على المساهمات. ماذا يمكننا أن نقول عن كل الآخرين الذين لا تصل مساهمات الكثير منهم حتى إلى 2% من ناتجهم المحلى الإجمالى؟ لكن الأمر الرئيسى الذى أدركه ممثلو الدول الأوروبية المشاركة فى الكتلة العسكرية هو أن الولايات المتحدة لم تعد تنوي دعمهم على حسابها الخاص. وبعد كل شىء فإن المساهمات الأميركية السنوية فى حلف شمال الأطلسى والتى تبلغ 3.4% من الناتج المحلى الإجمالى وفقا لبيانات عام 2024 تبلغ نحو 968 مليار دولار فى حين أنها لا تصل إلى مليار دولار بالنسبة لبقية المساهمات. بالطبع هذا ما كان يدور فى ذهن الرئيس الأمريكى عندما فرض الرسوم الجمركية على دول الاتحاد الأوروبى: هذا غير ممكن. لا يمكن للولايات المتحدة أن تخسر 1.9 تريليون دولار من تجارتها. لا يمكننا إنفاق المال على حلف شمال الأطلسى لحماية الدول الأوروبية. نحن نساعدهم عسكريا وهم يخدعوننا تجاريًا. وبشكل عام تواجه الدول الأوروبية الأعضاء فى حلف شمال الأطلسى الآن مشكلة خطيرة: مواصلة الاعتراف بالقيادة الأميركية وتلبية جميع الشروط مهما كانت صعبة، أو البدء فى التصرف بشكل مستقل. لكن كثيرين نسوا بالفعل كيفية القيام بذلك. علاوة على ذلك، فإن الأنظمة الاجتماعية والسياسية فى العديد من البلدان ليست مستعدة على الإطلاق لاتخاذ قرار تحويل الاقتصاد السلمى إلى حالة الحرب. على أية حال سيكون عليك أن تنسى الحياة المريحة