مصطلح الإنسانية يعبر عن ملايير المخلوقات منذ الأزل حتى الآن، التي ارتكبت على نفسها و ترتكب على الآخرين الكثير من الجرائم و الخروقات. الإنسان هو من يبيد إنسانا من عرق آخر بهدف الاستلاء على أرضه و ثرواته و استيطانها ثم استغلالها و نهبها من أجل البقاء، فيستبيح الأعراض و يستعبد الأسياد و يدمر حضارة الأجداد. الإنسان يكذب و ينافق ويخادع ويناور من أجل قضاء مآربه. الإنسان من يلتزم بتحريم لحم الخنزير و اجتناب أكله، لكنه يأكل أعراض الناس ويلتهمها بالغيبة و النميمة و يزني ويتعاطى للخمر و الميسر و المخذرات و الرشوة و السرقة ثم جميع أشكال الغش و التدليس……. لذا، لم ترد كلمة إنسان في القرآن في سياق حميد يليق بمقامه. قال تعالى: “قتل الإنسان ما أكفره” “إن الإنسان لربه لكنود” “وكان الإنسان عجولا” “وكان الإنسان أكثر شيء جدلا” “كلا إن الإنسان ليطغى” “إن الإنسان لظلوم كفار” “وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَىٰ بِجَانِبِهِ” “وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا” فمن يتقن الصناعة أكثر من صانعها؟ و من يعلم بما يخالج نفس الإنسان أكثر من خالق ؟ إنه صنع الله. قال تعالى:”لقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد”. هل الله يحتقر خلقه؟ هل الله يبغض الإنسان، لأنه لم يذكره إلا باللوم والتقريع في كتابه الحكيم؟ لا ثم لا…. لقد خلق الله الإنسان على الفطرة، لا ظالما ولا مظلوما. لكنه باستمراره في الحياة كإنسان، ستبقى جميع الصفات التي وصفه بها الله جزءا من حياته تعكس تقلباته النفسية. فإذا كان الإنسان كافرا أو منافقا أو مجرما أو مؤمنا أو ملحدا، سيبقى دائما يحمل الإسم الأول (الإنسان). لكن الله كرم البشر بمقام أعلى من مقام الإنسانية، ألا وهو الإيمان. إذ قال تعالى: “قد أفلح المؤمنون” “يرفع الله الذين آمنوا” “و بشر المؤمنين” فلنتمعن جميعا في قوله تعالى في الآية الكريمة المقارنة بين الإنسان و المؤمن: “إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا و عملوا الصالحات” إذ يرعى الله المؤمنين بتوجيه خاص، يسموا بهم إلى الإرتقاء والنصرة في قوله تعالى: ” يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة” “يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغذ” “يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة”. فموطن كلمة إنسان وموطن كلمة إيمان في القرآن، يوضحان أن شكل الحياة بدون إيمان تجعل من الإنسان كائنا فوضويا عشوائيا في ضنك مريب بين دروب مظلمة من العدم.