هل هي مصادفة أن يختاره الله إلى جواره في ذكرى ليلة الإسراء والمعراج، وأن يوارى جثمانه الثّرى يوم الخميس، لتكون أول ليلة له في مرقده هي ليلة الجمعة، مع ما في ذلك من فضل وبُشرى؟! اللهم اجعل هذه الليلة المباركة أسعد ليلة له، وعافه واعفُ عنه، وعامله بإحسانك وعفوك وغفرانك يا كريم…
*** – عاوز أشوفك يا خالد! هكذا قال لي أستاذي د. حفني عندما هاتفته قبل عامين خلال إجازتي، لأسلّم عليه. تواعدنا، والتقينا مساء يوم 18 يناير 2019، أي قبل أكثر من عامين، في مزرعته الخاصة بمدينة الوقف، وجدته كما هو، أي كما كان قبل نحو ثلاثة عقود، عندما تعرّفت إليه أستاذاً، وكنت أنا طالباً بكلية التربية بقنا، لم يزده منصبه كنائب لرئيس الجامعة، الذي يعادل درجة وزير، إلا عِلماً، وخُلقاً، وتواضعاً، ودماثة خلق، وسماحَة نفس. وُلد د. حفني إسماعيل محمد إسماعيل الزير، ابن ناحية المداكير، (64 عاماً)، في 26 يونيو 1957، وحصل على بكالوريوس العلوم والتربية (تخصص الرياضيات) في مايو 1981 بتقدير عام امتياز مع مرتبة الشّرَف، وعيّن في أكتوبر 1981 مدرساً للرياضيات في مدرسة الوقف الإعدادية، مدّة نحو شهرين، ومنها ذهب لتأدية الخدمة العسكرية في سيناء بدءاً من يناير 1982. في عام 1983، تم تعيينه معيداً بكلية التربية بقنا، وحصل على درجة الماجستير في التربية تخصص المناهج وطرق تدريس الرياضيات عام 1987 بتقدير ممتاز، ومن ثم على درجة الدكتوراه عام 1990. وخلال دراستي بكلية التربية، مطلع تسعينيات القرن الماضي، شرفتُ بأن كنتُ تلميذاً له، وكان من أكثر الأساتذة الذين شرُفنا بالتلمذة على أياديهم؛ إخلاصاً وعِلماً وتواضعاً. تدرّج الدكتور حفني في المناصب الجامعية من وكيل كلية التربية النوعية إلى عميدٍ لها، ومن ثم كان أول عميد بـ “الانتخاب” لكلية التربية بقنا، وأخيراً نائباً لرئيس الجامعة حتى عام 2017. وكان مدير مركز تنمية قدرات أعضاء هيئة التدريس بالجامعة منذ 2007 حتى وفاته، يرحمه الله. يُجمع كل من تعامل مع د. حفني، منذ عيّن معيداً بالجامعة حتى صار نائباً لرئيسها، على أنه لم يتغيّر، نفس الطبيعة الهادئة السمحة البشوشة المخلصة، ونفس التواضع الجمّ والأخلاق العالية وعزّة النفس، والترفّع عن أي مجال فيه أدنى شبهة من أي نوع. ولعلّ من المواقف المشهود بها لأستاذنا الراحل، أنه عندما كان عميداً لكلية التربية، رسبت ابنته في إحدى مواد “الدبلومة” التربوية، وجيءَ لـ “العميد” بالنتيجة ليعتمدها، وكان بإمكانه أن يتصل بوكيل الكلية (وهو مدرّس تلك المادة) طالباً منه أن “يرفَعَ” درجةَ ابنته، لكن إباءَه وعزّة نفسه منعاه من ذلك، واعتمد النتيجة، وسطَ مشاعر من الدهشة والاستغراب والإجلالِ والإكبار. ومن اللافت في مسيرة د. حفني المضيئة، أنه لم يسعَ أو يتوسط أو يتدخّل لتعيين أحد أبنائه الثلاثة معيدا بكليته، وكان بإمكانه أن يفعل! كل ذلك زاد مساحات الاحترام والتقدير والإجلال لمسيرة رجُل شريف بذل سنوات عمره في محراب العلم، وترك المناصب الرسمية ورايته ناصعةَ البياض، لكن محبّته واحترامه وتقديره ستبقى إلى يوم الدين… رحم الله أستاذنا وفخر مركز الوقف رحمة واسعة، وجزاه عنّا وعن كل أحبته خير الجزاء، وبارك في أهله وذريته إلى يوم اللقاء.