لم تكن الخطة التى رسمها *ترامب* بشأن احتمال سيطرة الولايات المتحدة على قطاع غزة *وتهجير الفلسطينيين* إلى الأردن ومصر من نسج خياله
*فالتاريخ يؤكد لنا أن مخطط تهجير الفلسطينيين من غزة والضفة الغربية كان دومًا حلمًا لليمين الصهيونى منذ زمن بعيد.* وفكرة نقل الفلسطينيين إلى الأردن على وجه الخصوص فكرة قديمة. والمعروف أن قادة *حزب الليكود* وهو الحزب اليمينى الدينى الذى ينتمى إليه *بنيامين نتنياهو* ، دعوا منذ فترة طويلة الفلسطينيين فى الأراضى المحتلة إلى إيجاد أرض مضيفة جديدة على الجانب الآخر من نهر الأردن لكى يتسنى لإسرائيل ضم الأراضى *الواقعة بين النهر والبحر الأبيض المتوسط.*
ومنذ وصول حزب الليكود إلى السلطة لأول مرة، دافع الحزب عن الفكرة التى تجعل من *الأردن* دولة أو وطنا بديلًا للفلسطينيين، وكانت هذه الفكرة من أهم مبادئه التأسيسية.
والواقع أن *خطة ترامب* هى جزء من اتفاق سرى تم بينه وبين نتنياهو ووضعا له السيناريو اللازم لتنفيذه فى الفترة التى كثفت فيها إسرائيل *عملياتها التدميرية* لقطاع غزة وارتفعت خلالها وتيرة الاستيطان الصهيونى فى الضفة الغربية. وهناك من يرجع هذا الاتفاق السرى إلى ما قبل فوز ترامب بالرئاسة بفترة وجيزة عندما كان بايدن يلح على نتنياهو بوقف العمليات وكان هذا الأخير « *أذنًا من طين وأذنًا من عجين».* وقد ألمح ماركو
روبيو فى لقائه الأخير بنتنياهو فى إسرائيل إلى أن الرئيس الأمريكى عازم على المضى قدما فى تنفيذ خطة التهجير ناعتا إياها بالخطة الجسورة رغم علمه بالرفض القاطع لمصر والأردن والعرب أجمعين لهذه الفكرة. وإذا كان ترامب لا ينفك يلوح بتهديداته إلى الأردن ومصر لحملهما على الإذعان لخطته فالسؤال المطروح:
*ما هى الأدوات التى ينتوى ترامب استخدامها ليكثف من ضغطه عليهما؟* خاصة أن رفض مصر والأردن والسعودية وقطر لهذا المخطط قد بات جازمًا. يضاف إلى ذلك أن ثمة رفضا عالميا واسعا لفكرة *تهجير الفلسطينيين* لما تنطوى عليه من تطهير عرقى يؤثمه القانون.
وفى أحاديثه للإعلام لوح ترامب فعليا *بقطع المساعدات *المالية والعسكرية* عن الأردن ومصر إن هما اعترضا على التهجير. وجاء رد الرئيس السيسى عليه فوريا قاطعا: *«لا للتهجير»،* وأجل الرئيس زيارته المرتقبة إلى واشنطن إلى أجل غير مسمى بل وأعلن بوضوح أنه لن يشارك فى أية مفاوضات تجرى فى واشنطن إن هى تضمنت فى جدول أعمالها
*موضوع تهجير الفلسطينيين لأنه خط أحمر* ! كما دعت مصر إلى عقد *قمة عربية* طارئة فى القاهرة للنظر فى تطورات القضية الفلسطينية. وما كادت واشنطن توقف جزء من مساعداتها للأردن كنوع من الضغط عليها حتى سارعت هذه الأخيرة بتوقيع اتفاقية مع الاتحاد الأوروبى تعوض بها ما تقلص من مساعدات أمريكية إليها كما وضعت حكومتها *خطة اقتصادية تقشفية* . وشددت حكومة السعودية على رفضها فكرة التهجير معلنة بأنه لا بديل عن بقاء الفلسطينيين فى غزة وعن حل الدولتين.
لم يعد خافيا على ترامب أن ورقة تقليص أو وقف المساعدات الأمريكية التى يراهن على نجاعتها لن تجدى فتيلا. *فما الذى يمكن توقعه منه أمام إصرار مصر على رفض التهجير؟*
قد يرى البعض أن ثمة احتمالًا بأن يضع ترامب عوائق أمام حصول الحكومة المصرية على قروض جديدة من المؤسسات المالية *وأسواق المال الدولية* ، أوللحيلولة دون حصولها على شرائح من القروض القائمة رغم الموافقة عليها مسبقا استنادًا إلى أن الولايات المتحدة تتحكم فى دوائر صنع القرار داخل هذه المؤسسات وأهمها *صندوق النقد والبنك الدوليان. أو* ربما تحاول التأثير على مؤسسات التقييم الدولية مثل موديز وفيتش وستاندرد أند بورز وغيرها للهبوط بمركز مصر فى التصنيف الائتمانى وقد تفرض رسومًا جمركية على صادراتها كما فعلت مع كندا وأوروبا مثلا.
بيد أن مصر قد درست هذه السيناريوهات المحتملة واستعدت لها بكافة الأدوات اللازمة كما أن الولايات المتحدة ستبلى بخسارة فادحة إن هى فقدت شريكا استراتيجيا مهما لها فى الشرق الأوسط. ومما لا ريب فيه أن *القمة* الطارئة ستفرض على البلاد العربية كلها ضرورة حتمية فى تبنى استراتيجية موحدة قمينة *بأن تحطم الغرور الأمريكى وهى تمتلك من الأسلحة* ما يرد ترامب ونتنياهو إلى صوابهما.