الإلحاح على لغة التحرر بين التحدي والإستجابة تجعل العزوف عن القراءة أقل خطورة من الكاتب
الجميع يكتب ولا أحد يقرأ ، ما الأمر؟ الكتابة هي رمز التطور الحضاري كحركة مرجعية توثق التاريخية. فالأمم لا تموت بالسيف، بل بالإندحار عندما تفشل في مواجهة التحديات الفكرية والتاريخية والاجتماعية والإقتصادية بشكل خلّاق. كما أن الكتاب كمنهل بحاجة إلى صيغة توافقية سليمة تنعم بروابط تحفيزية تجمع بين الفحوى والمؤلف والقارئ. إذ تصنف القراءة من أهم وسائل اكتساب المعرفة، والفكر والتنوير، كمبدأ ثقافة، وينبوع إبداع، ومفتاح استكشاف، وأداة من أدوات نضج الشخصية. رغم ما للقراءة من أهمية، فإنها تجد عزوفًا أليمًا بالمجتمعات العربية. ليس خافيًا على أحد التأثير الإيجابي الذي تعكسه القراءة التثقيفية والمطالعة الشمولية وبناء المعرفة على أداء القارئ. لكن يظل الشعور بالملل هو الدافع الأكبر لعدم الرغبة في القراءة. حيث نجد بعض الكتاب من يعبر في كتاباته عن تجاربه وأفكاره بسلبياتها وإيجابياتها، متعمدا فرضها على القارئ، في صيغة خطاب رسمي. ومنهم من يسرد أحداثا و وقائع حقيقية أو افتراضية. وهناك من يدق ناقوس الخطر، في إشارة إلى بعض الظواهر والمآسي. كما يحظى الكاتب المتمكن الذي يثير الجدل من خلال المواضيع الحساسة بكسب ثقة جمهور واسع و عريض. أما المؤلف الذي يكتب لنفسه، دائما ما يكون متأكداً من الهوة التي تفصله عن الجمهور الواسع من القراء. ومن الكتاب كذلك، من يتبنى إيديولوجيات، ومن يبيع الوهم، ومن ينشر الطمئنينة والصبر، ومن يفقدك الثقة في نفسك، ومن يشكك في أخلاق وقيم الجميع، ومن يحسم مسار حياة الآخرين، ومن يلعب دور الضحية، ومن يعزف على أوتار الأحاسيس والشعور، ومنهم من يعتمد على أقوال السلف من المفكرين كرسائل ينسج من خلالها ما يهدف إليه. هذا الزخم المركب من التيارات في مجال الكتابة، يجعل من القارئ القيام برفع درجة التأهب القسوى لتفادي ضياع الوقت، والتمييز بين الكاتب الإنطوائي، و الكاتب الذي يهرب من الواقع. إذ أصبح الكاتب إله كتاباته، يحمل رؤية خاصة به، وتوجهات لا ترقى إلى مستوى الذكاء الإنساني، معتقدا أنه يعالج نواميس الكون،لكنه في الجوهر يسبح في مستنقع ملطخ بالتناقضات وسط دائرة مفرغة، يعبر فقط عما يعانيه من اضطرابات نفسية و علاقات خاصة وضغوطات لها علاقة بوضعيته وحالته الشخصية، فيرغب من خلالها إشراك الآخرين همومه، هؤلاء ليسوا مستعدين لإستقبال هذا النوع من الكتابات المزاجية الجافة، التي ترهق النظام الإشعاري للجهاز العصبي للقارئ، أكثر ما تفيد في مجال تكوينه الفكري المتعطش إلى الإبداع الحقيقي، بعيدا عن الصراعات والتصورات الفردية التي يراد بها باطل. رغم ذلك يطمح الكاتب في تعميم هذه الأفكار، مستنفرا جميع المصادر التواصلية بغرض توجيه إنتقادات لاذعة إلى جمهور القراء بسبب عزوفهم عن اقتناء كتبه التي تفسر معاناته كإنسان. بعض الكتاب يعتمدون على الكم من المؤلفات من أجل ملء الخزانة والتباهي بغزارة المعلومات التي لا تحمل إلا أفكارهم، ما يدفع بالقارئ إلى عدم التجاوب معها و الدخول في متاهات لا تهمه ولا تفيده في شيء من قريب ولا من بعيد. كما يطمح أغلبهم على تسلق سلم المشاهير من الكتاب المرموقين عالميا من حيث قوة الإبداع وحجم المبيعات، مثل: “قصة مدينتين” للكاتب تشارلز ديكنز ( حجم المبيعات 200 مليون نسخة) ” الامير الصغير” للكاتب أنطوان دو سانت إكزوبيري( حجم المبيعات 200 مليون نسخة). وهذا من المستحيل. كما أن الساحة تعج بأصناف أخرى من الكتاب ممن أفرزتهم مخططات ما يطلق عليها بالتنمية البشرية، حيث يعرضون عناوين صادمة، تسوق الأمل في زمن البطالة، مثل الكتب التالية: – “لكي تصبح غنيا في يومين” – “كيف تصبح ميليونيرا في عشرة أيام”. – “طريقة جلب المال بتكرار بعض الكلمات والحركات”. – “تعلم اللغة الأنجليزية في أسبوع” هل يقبل العقل والمنطق بهذه الأكاذيب المضللة من العناوين التمويهية؟ في نظركم من سيصبح ميليونيرا في عشرة أيام القارئ أم صاحب الكتاب؟ الجواب: صاحب الكتاب، نتيجة حجم المبيعات المتزايد من قبل الفاشلين.