كتابات…. بين تجارب الزمن وتشكيل المستقبل الباحثة: د. آمال بوحرب – باحثة وناقدة
كنا في سنوات ماضية نقول عند رأس كل سنة جديدة إن السنة الراحلة قد حدث فيها كذا وكذا، وكانت صيغة الفعل كما ترى هي صيغة الماضي، وكان المعنى أن ما شهدته قد جرى فيها وانتهى عندها، وأن علينا بالتالي أن نلتفت إلى السنة الجديدة.
والسنوات الماضية المعنية ليست ماضية إلى الحد الذي يمكن أن نتصور معه أنها بعيدة عنا كل البُعد، فهي لم تكن كذلك؛ لأن بيننا وبينها كما سوف نرى رمية حجر. وإذا كنت أقول «كُنا» فلأن الزمان قد دار علينا دورته، فإذا بنا نتطلع إلى السنة التي بالكاد لملمت أغراضها، فلا نستطيع إخضاعها لقوانين السنين التي سبقتها. فهي نسيج زمني فريد في نوعه، وهي ليست ككل السنوات؛ لأننا عندما نتطلع إليها نجد أنفسنا عاجزين عن الحديث عنها بصيغة الماضي. وكيف نتكلم عنها بهذه الصيغة بينما كل ما جرى فيها من الأحداث الكبرى لم يقع فيها ولم يتوقف عند آخرها؟ لقد جاءها زاحفاً نحوها من سنوات سابقة عليها، ثم غادرت هي لتترك من ورائها ما ورثته، في خضم تجارب الحياة المتنوعة، نحن نعيش بين فصول جديدة وأخرى قد رحلت عنا. وفي ظل التغيرات اليومية، يبرز سؤال مهم: كيف نتمكن من التعلم من السنوات الماضية لنصنع عامًا جديدًا مليئًا بالأمل والفرص؟ إن كل سنة تمثل تجسيدًا لمشاعرنا وتجاربنا، سواء كانت جيدة أو سيئة. وقد نجد أنفسنا مدينين باعتذار للسنة التي ودعناها، ليس لأنها كانت جانية في كل ما وضعناه على عاتقها، بل لأنها كانت مجنيًّا عليها، بلغة أهل القانون. وكما قال الفيلسوف الفرنسي بول ريكور: “ليس هناك تاريخ بلا ذاكرة.” بمعنى أن فهم الماضي هو مفتاح لبناء مستقبل أفضل. ففي نهاية كل عام، نستعرض ما حدث من أحداث وصراعات، ونتساءل عما إذا كان بالإمكان تغيير ما تم المرور به. ورغم أن السنوات تحمل في طياتها صراعات وحروب، إلا أنه لا يمكننا تخصيص الفشل أو النجاح لعام معين وحسب، بل هي تكوين إنساني وتجربة جماعية. وأيضًا، يؤكد الشاعر العربي محمود درويش على هذا المفهوم بقوله: “ليس في الوقت ما يكفي، لكننا نملك الوقت.” فهذه الحكمة تحمل قيمة عميقة في سعي الإنسان نحو التغيير.