كتبت نجوى نصر الدين الفكر هو جوهر الإنسان، هو أداة فهمه للعالم وتنظيمه لأفكاره ومشاعره. ولكن، كما هو الحال في كل شيء حي، لا بد أن يتعرض الفكر للأوساخ والفوضى. هذه الفوضى الفكرية، التي قد نشبهها “بقمامة الفكر”، هي نتاج التشتت العقلي والخيالات الغير منظمة، قد تكون محض أفكار غير مفيدة، أو انشغالاً بمفاهيم باهتة، أو حتى تكرار مفرط لنفس الأفكار.
عندما نفكر في “قمامة الفكر”، نتخيل عقلاً مشوشاً، مكاناً مليئاً بالأفكار التي لا قيمة لها، والتي لا تضيف شيئًا لرحلة البحث عن الحقيقة. هذا الكم من “النفايات الفكرية” يمكن أن يعيق قدرة الفرد على التفريق بين ما هو جوهري وما هو سطحي. وتماماً كما هو الحال في البيئة، حيث تتحلل القمامة وتتحول إلى مواد ضارة، فإن الفوضى الفكرية، إن لم يتم التحكم فيها وتنظيمها، قد تؤدي إلى تبعات عقلية وعاطفية سلبية.
على الرغم من ذلك، فإن بعض الفلاسفة يرون في هذه الفوضى نفسها فرصة للابتكار. فكما أن الكتابة المتناثرة أو الأفكار العابرة قد تبدو في لحظتها تافهة أو غير مرتبة، إلا أنها قد تثمر عن فكرة جديدة تمامًا إذا نظرنا إليها من زاوية أخرى. في هذا السياق، تصبح قمامة الفكر، أو الفوضى العقلية، ليست شيئًا يجب التخلص منه بالكامل، بل شيئًا يمكنه أن يخلق الإمكانية لبروز أفكار جديدة.
من جهة أخرى، يمكننا أن نرى هذه “القمامة” جزءًا من عملية التطهير الفكري التي نمر بها. ففي كل مرة ننشغل بفكرة غير مجدية أو نغرق في تأملات لا طائل منها، نقترب أكثر من فهم ما لا نريده. وتلك التجارب تمنحنا المساحة لترتيب أفكارنا بشكل أفضل، فهي بمثابة الاضطرابات التي تسبق الوضوح، كما أن الفوضى التي قد تبدو غير قابلة للتحكم فيها، غالباً ما تسبق التوازن الذي يأتي بعد الجهد المبذول.
في النهاية، لا يمكننا أن ننكر أن أفكارنا تحتاج إلى نوع من الصيانة العقلية. مثلما أن البيئة تحتاج إلى تنظيف دوري من النفايات، فإن عقولنا بحاجة إلى فرز وتنظيم مستمر لتجنب تراكم القمامة الفكرية. من خلال التأمل والتمحيص المستمر، يمكننا التخلص من الأفكار غير المفيدة والاحتفاظ بما يساهم في تطوير وعينا.
إذاً، في فلسفة الفكر، تكمن قيمة “القمامة” في قدرتها على التحدي والانتقاء، وفي إمكانية تحولها إلى شيء مفيد في سياق عملية النمو الفكري المستمر . تحياتي نجوي نصر الدين