شاعر وقاص وناقد
تتجلى في الساحة الأدبية التونسية صورة فريدة من الإبداع النقدي والكتابي، حيث تندمج الأصوات الجديدة مع التقاليد العريقة يأتي الشاعر والباحث بوراوي بعرون ليعكس هذه الديناميكية من خلال قراءته العميقة لديوان “أرقص حتى لا يغتالني الصقيع” للشاعرة صباح بن حسونة يسلط الاستاذ بوراوي الضوء على كيفية استخدام بن حسونة لتقنيات الشعر النثري للتعبير عن معانٍ متعددة تتعلق بالوجود والتجربة الإنسانية تجمع كتاباته بين التحليل الأدبي والفن الشعري، مما يوفر منصة جديدة للتفاعل مع النصوص لقد أصبح النقد في تونس مساحة حيوية تساهم في تعزيز الحوار حول الإبداع الأدبي وتوسيع آفاق الفهم الجمالي ولعل هذه القراءة
المتميزة تكون نموذجا لفكرة يجهلها البعض وهي أن قراءة النص الادبي هي ولادة جديدة للعمل نفسه هذا ما رأيته حول هذه التجربة المتميزة (د/آمال بوحرب )
كتب الناقد بوراوي بعرون
ملاحم تتجلى
” النّثرو شعري ” أو الرّقص بالأحرف على ضفاف الشّجن في ” أرقص حتّى لا يغتالني الصّقيع ” لصباح بن حسونة
تصدير: ” فقصيدة النثر … أوّلا وأخيرا … هي مسألة ذاتيّة، فردانيّة، بهواجسها وتعابيرها، وبقدر ما تنتمي إلى نفسها تتمرّد عليها بهذه الذّاتية التي تأبى التّعميم أو التّقنين، لهذا، فإنّ قصيدة النّثر العربيّة، عبر تراكماتها، لم تشكّل نوعا ذا أسوار و قضبان ونواه، و إنّما هي أشكال كتابيّة تنتمي إلى فضاء في التّحوّلات غير المتوقّعة وغير المحسوبة. أشكال تتحرّك في اللّانهائيّ واللّامحدود. ويكفي للشّاعر أن يقصد ويعي أنّه يكتب قصيدة منفلتة من الأوزان والتّفعيلات والبنى الجاهزة كي يكون ما يكتبه قصيدة نثر.
فالقصد هو الأساس، وتسمية القصيدة جاءت من هنا. ” 1
أوّلا
الاستكشاف أو مشروع قراءة أولى استباقيّة
” أرقص حتّى لا يغتالني الصّقيع ” هو عنوان المجموعة الشّعريّة للشّاعرة صباح بن حسّونة الصّادرة عن دار نقوش عربيّة في حجم متوسّط تتضمّن المجموعة ثمان وستّين قصيدة موزّعة على مائة وستّين صفحة بمعدّل ثلاث صفحات للقصيدة الواحدة أي أنّ الشّاعرة تختار كتابة النّصّ متوسّط الطّول ذي الأسطر القصيرة. العنوان الجامع ” أرقص حتّى لا يغتالني الصّقيع ” مركّب إسنادي فعليّ المسند هو الفعل ” أرقص ” والمسند إليه هو المتكلّم أنا أي الشّاعرة والمتمّم هو المفعول لأجله ” حتّى لا يغتالني الصّقيع ” ما العلاقة يا ترى بين الرّقص والاغتيال؟ أو بالأحرى ما العلاقة بين الرّقص و اللّااغتيال؟ كيف يكون الرّقص ضدّ الاغتيال؟ أي أنّ الرّقص يحمي الحياة بل لعلّ الحياة لا تستقيم إلاّ به فهل تعتبر الشّاعرة الرّقص هو هو الكتابة؟ هل تعتبر الشّاعرة نصوصها رقصات تبدّد سطوة الصّقيع أي الجمود، اللّاحركة، أي الموت؟ الكتابة قي هذا الأفق تعبير عن الحياة ” أنا أرقص إذن أنا موجود ” ما يؤكّد مكانة الرّقص في عالم الإبداع الشّعريّ عند صباح بن حسّونة هو اختيارها لنصوص من المدوّنة الشّعريّة العربيّة الحديثة وسمتها بالرّقصات وكأنّها تصدّر بها أشعارها وهي لا تصدّر بهذه الرّقصات المتن الشّعريّ في المجموعة بل هي تنشرها ما بين نصوصها وكأنّها من بنات قريحتها وفي ذلك تعلّق كبير بها، وتمييز لها وفيه بالأخصّ تجديد لافت وتناصّ واع عجيب. ترقص الشّاعرة في مناخات الحداثة تكاد لا تحفل بالمدوّنات القديمة، وترقص الفتاة في الصّورة المصاحبة للعنوان على إيقاعات الرّقص المعاصر، فترتسم لوحة جميلة لكأنّها تخطيط بالحروف بديع. تحتفي الشّاعرة بالتّحديث وتمعن فيه حيث تميّز في الصّفحة الثّانية من الغلاف مقطعا من نصّ من نصوصها: ” هذا أوان الفجر / سأفتح أبوابي السّبعة / كي أُعتق من النّار / بابَ العشق و باب الحنين / وباب الانتظار / وأبوابا سأتركها مواربة / عسى يكسوها الجلّنار .. ” يرد الشّعر في هذا المقطع مسترسلا في إيقاعات داخليّة متحرّرا من قيود نظام الشّطرين ومن قيود نظام التّفعيلة. ترد الأسطر قصيرة لا يتجاوز أطولها خمس مفردات، تتكرّر مفردة ” أبواب ” أو ” باب ” في صيغة المفرد في إشارة لأبواب تونس السّبعة التي تختار لها مسمّيات أخرى ( العشق، الحنين، الانتظار ) عوض المسمّيات القديمة المتداولة وفي ذلك ميل للتّجديد جليّ. هذا المقطع مقتطف من نصّ داخل المتن بعنوان ” هديل اليمام “2 صص41-42 ( الأسطر السّبعة الأخيرة. ) فهل تحتفي الشّاعرة بالكتابة في نظام السّطر النّثريّ أم هي تنوّع في كتاباتها؟ اختارت الشّاعرة التّصدير بنصّين موزونين مقطع من ” كلمات ” لمنوّر صمادح ومقطع من نصّ للبيّاتي، كما أنّ جلّ الرّقصات وردت موزونة. فهل تميل الشّاعرة في مستوى التّذوّق الشّعريّ للموزون ( التّذوّق السّمعي ) بينما تفضّل في مستوى الكتابة غير الموزون ( التّذوّق القرائي )؟ تقول الشّاعرة في نافذتها على حدائق شعرها: ” أحببت انسيابيّة قصيدة النّثر واسترسالها وإلغاء الحدود فيها بين الشّعر والنّثر. فيها تنعتق اللّغة لتصبح لغة خلق وليس فقط لغة تعبير كما يقول أدونيس. ” … ثمّ تضيف: ” في مجموعتي الشّعريّة ” أرقص حتّى لا يغتالني الصّقيع ” أحقن نصوصي بالإيقاع حتّى لا تقع في حبائل النّثر وأجمّل نثري بالصّورة والخيال و المجازات وأسبغ عليه شعريّة القصائد حتّى أكتشف جوهر الوجود المتناغم.3 هي واعية بما تكتب تتبنّى رؤيا خاصّة بها تكون لغة الشّعر فيها لغة خلق وليس مجرّد لغة تعبير فيما ذهب إليه أدونيس ممّا أشارت إليه آنفا فهل تكتب الشّاعرة قصيدة نثر تستجيب لتعريف ” سوزان برنار ” الذي تبنّته مجلّة شعر؟ وماذا عن تعلّقها بالشّاعر محمّد الغزّي الذي قدّم لها هذه المجموعة تحت عنوان ” الغنائيّة الجديدة في ديوان ” أرقص حتّى لا يغتالني الصّقيع ” لصباح بن حسونة؟ ما المقصود بالغنائيّة الجديدة؟ وما العلاقة بين شاعرتنا في هذه المجموعة والشّاعرة زبيدة بشير مثلا؟ يقول محمّد الغزّي : ” وفي الأخير نشير إلى أنّ هذه المجموعة تؤكّد