لم يمر أكثر من شهر على إعلان فوز الروائي الجزائرى الفرنسى كمال داوود بجائزة غونكور الأدبية الفرنسية العريقة عن روايته الحوريات ليجد نفسه محاصرا بتهمة إفشاء سر طبى واستغلال قصة فتاة جزائرية من ضحايا العشرية السوداء بغرض كتابة عمل أدبى.
بدأت القصة عندما بثت قناة وان تى فى الجزائرية تقريرا مصورا، تضمن شهادة لفتاة تدعى سعادة عربان قالت إن داوود استغل قصتها وحالتها المرضية لكتابة الحوريات من دون موافقة منها مشيرة إلى أنها كانت تتلقى علاجا عند زوجة الروائى.
ويتعلق الأمر بسيدة تدعى سعادة عربان من مواليد 16 ديسمبر 1993 وهى متزوجة ومستقرة مع زوجها وأبنائها فى ولاية وهران غربى الجزائر. وتقول الفتاة: عندما كنت أبلغ من العمر 6 سنوات عشت ليلة مأساوية خلال العشرية السوداء فقدت فيها كل عائلتي وأعز ما أملك.
وتحدثت سعادة بصعوبة كبيرة بسبب حالتها الصحية: كنت أتلقى العلاج لدى زوجة داوود الطبيبة النفسية ورفضت أن يحول زوجها قصتى إلى أى عمل أدبى.
غير أن زوجة كمال داود نفت وجود أى علاقة مباشرة بين حكاية الحوريات وقصة سعادة، كما أكد داوود في تصريحاته للإعلام الفرنسي أن قصته من نسج الخيال.
وحتى كتابة هذه الأسطر لم يصدر من داوود أى تعليق مباشر على اتهامات سعادة غير أنه أرسل لها نسخة من الرواية مع إهداء خاص قال فيه: الجزائر تم إنقاذها بفضل النساء وأنت إحداهن. مع كامل مودتى.وتصدر اسم داوود محركات البحث في منصات التواصل الاجتماعى فى الجزائر وتناقل العديد من المؤثرين حكاية سعادة بين مدافع ومهاجم.
وقال الروائى الجزائرى جلال حيدر: تضامنى الكلي مع سعادة وعائلتها. أضع اسمى فى أى بيان يطالب بإخضاع كمال داوود وزوجته للعدالة الجزائرية للبت فى هذه القضية.
وبأسلوب ساخر علق الكاتب والصحفى الجزائرى نجيب بلحيمر: متضامن مع الكاتب الفرنسى كمال داوود الذي يتعرض الآن لحملة بشعة لإرغامه على أن يكون جزائريا بعد أن باع إنسانيته من أجل التخلص من هذه الصفة.
ووصل الجدل إلى كندا حيث علق الحزب الشيوعى الكندى على منصة إكس واصفا تصريحات الفتاة الجزائرية بـ قنبلة تحاصر روائيا ذاع صيته فى فرنسا.
من جهة أخرى أشار المدافعون عن داوود إلى أن ما يتعرض له من حملة شرسة يعد انعكاسا لفجوة الثقة بين ضفتي البحر المتوسط.
وعلق الناشط الجزائرى كريم رضوان على الجدل قائلا: لماذا يعجبني كمال داوود؟ ليس لأنه يملك أسلوبا جميلا. يعجبنى لأنه يضرب ويُضرَب ينتقد ويُنتقَد يهاجم ويهاجم يؤثر ويتأثر والملاحظ أن الصحافة الفرنسية تعاملت بتجاهل مع تصريحات السيدة واتهاماتها الموجهة لكمال داوود.يعتبر داوود (54 سنة) أول روائى جزائرى يفوز بهذه الجائزة العريقة التى تأسست سنة 1903. سبق أن فاز بها الروائى المغربى طاهر بن جلون سنة 1987 واللبنانى أمين معلوف سنة 1993. يسرد داوود فى رواية الحوريات الصادرة عن دار غاليمار الفرنسية قصة إنسانية لفتاة تدعى فجر تقع ضحية الإرهاب الذى ضرب الجزائر فى التسعينات وهي الفترة المعروفة باسم العشرية السوداء. هنأ الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون الأديب عقب فوزه بالجائزة بينما لم يصدر عن أى هيئة رسمية جزائرية بما فيها الرئيس الجزائرى عبد المجيد تبون أى تهنئة فى هذا الصدد.وتستعد سعادة لتنظيم ندوة صحفية فى الجزائر العاصمة ومن المرشح أن يتم رفع دعوى قضية مزدوجة ضد داوود فى الجزائر وفرنسا.
ويوضح المحامى الجزائرى عبد الرحمان صالح الجانب الإجرائى للقضية وقال : قانون أخلاقيات المهنة وقانون العقوبات يلزمان الجميع بالحفاظ على سر العملاء. الاختصاص يعود إلى القضاء الجزائرى وهناك فرصة لرفع القضية فى فرنسا باعتبار عالمية النص الجنائي.
ووصف المحامى القضية بالضعيفة التى لن تتجاوز حدود الشكل.
وقال: التقدير يرجع للقاضى. من حق أى روائى أن يستوحى من الواقع طالما لم يكشف هوية الشخصية مؤكدا أن رفع الدعوى فى فرنسا لن يتجاوز مرحلة الشكل من دون استدعاء المتهم للمثول أمام القضاء.كما يرى المحامى الجزائرى عمر فاروق سليمان أن القضية تضع الزوجة الطبيبة أمام مشكلة، لمخالفتها لأخلاقيات مهنة الطب بينما الروائى فى وضع سليم من الناحية القانونية.
وقال سليمان: الانتقادات التي توجه إلى كمال داود تأخذ من الجانب الفرنسى على أنها انتقادات سياسية وهو ما يجعل من القضاء الفرنسى ينظر إلى هذه القضية من ناحية سياسية مستبعدا هو الآخر أن يتم استدعاء داود للتحقيق فى إطار حماية حرية التعبير والإبداع