كانت الرحلة ضرورة ملحة استثنائية و فجائية رغم أنها شاقة ومتعبة، لأن الشياطين لا تتوب ولأنها تعتمد أسلوب لغة الجسد و لحن القول وتنميقه في صوره السلبية في الرد. فبقدرة قادر، أصبحنا نعيش في غابة يستباح فيها كل شيء، فليس من الضروري أن نكون حيوانات متوحشة ندمر مصادر حياتنا نتيجة الصراعات المفتعلة. لذا يبدو من المؤسف أن ينساق العاقل وراء جدال مركب أمامَ جمهور الفاسدين، و أن يضطر للعيش وفق قَوانينٍ وضعية قامت بنص بنودها منظومة الفساد منْ أجْلِ المفسدين، لأنهم واثقون من أنفسهم كصناع محتوى الفساد دون رجعة، في صدام مع زمنٍ يُحاصر فيه الأذكياء عن التفكير بسبب الانتقادات البناءة، حتى لا يزعجوا زمرة المفسدين. وربما بسبب هذه الحيثيات المجحفة، ابتلي العالم بأناس يفقهون في كل شيء إلا عيوبهم، عقولا محنطة يتعذر عنها العمل بجدية و منحطة القيم، انشغلت بالآخر وتغيير مفاهيم الأحداث عن مجرياتها الحقيقية في اتجاه المغالطة والتمويه، عوض أن تسموا بالإهتمام و تطوير الذات بإيجابة من أجل الإستفادة الجماعية. ولعل أهم ما تمخض عن هذا، تعميق مآسي الفشل الذريع على مستوى تدبير المصالح العامة، إذ أصبح الشخص الأكبر من المهام الموكلة إليه يحظى بإنتاجية وخدمات نزيهة و تواضع لافت. عكس المسؤول الذي يزاول منصبا أكبر منه،حيث ينعت بأنه أجوفا،متسلطا، بارعاً في الغرور، آليات عمله تنحصر في استعمال الشطط والقمع خوفا من اكتشاف نقط ضعفه للعيان. هذا ما أثر سلبا و ساهم بشكل كبير في تقزيم وضعية المسؤولين أمام الغرب، كما ضاعف من هشاشتهم الفكرية في زمن عدم الاستقرار. فمن المخجل أن يساهم التقريع في خفة الجهلاء وطيشهم ممن يراهن على ممارسة التفاهة في زمن التكفير والإفتراء والجهل والخرافة رغم التطور العلمي والتكنولوجي، باستغلال الكفاءات الفكرية في مسار المشبوه وتوابعه….. اعتبارا واستئناسا بمعطيات لا تتأتى و بنية الحوار الحضاري المتفتح والمسؤول، استبيانا بطرح مكونات فكرية مقتدرة ترقى بالمساهمة الهادفة في الحفاظ على الثوابت و التوازنات المتكاملة في جميع المجالات، حتى أصبحت الأفكار ضيقة لأنها لم تتسع لباقي الأفكار الأخرى من حيث الاستيعاب وإعادة الثقة.