سقوط الثمار الفاسدة لا يحتاج إلى رياح عاتية، حيث لا يلتقي المخلصين فكريا إلا بعد رحلة طويلة من العطاء والوفاء،عكس المفسدين الذين يسلكون نفس الطريق منذ البداية. هكذا يظهر إلى حد كبير حجم الإنقسام الحاد في تصنيف السلوكيات البشرية. إذ تظل الحياة أخف وقعا حينما نتذكر الأيام التي نعتقد أنها لن تمر وقد مرت، و نتأمل كل ما لم نتخيل أن نعيش دونه ثم عشناه، و نتألم عن الأرض التي كان من الصعب أن نغادرها و هي الآن أبعد ما يكون. إنها صناعة الغيبوبة و غزو العقول والاستيلاء على الفكر بآليات أصبحت عارا على جبين الأمة التي تنتظر الفرج من خلال أحلام اليقظة والوعود البراقة، التي هي مجرد ربح للوقت لأصحاب القرار وضياع للزمن الجميل لمن يحلم بالنجاة من المآمرة، التي تشجع الأفكار البائدة و السوقية كسلعة استفحل انتشارها عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية في جميع المجالات، تساهم بشكل كبير في اجتياح المنابر الجادة و دحض ثقافة الثوابت الفكرية السديدة برؤيتها العلمية الدقيقة الهادفة التي يقاس بها نضج الأمم وتقدمها. و استجابة لهذا المخطط البائد، تم ضخ أموالا طائلة لدعم التفاهة و الرداءة على المستوى العالمي، وتحديداً استهداف الدول العربية كخطوة سابقة من نوعها، غايتها إنهيار المبادئ و هدم الأخلاق والقيم و شرخ مفهوم الهوية، باعتبارهم رمز الحضارة ومنبع الأصالة و جزء رئيس من ذاكرة التراث العربي، بناء على مصادر رسمية توثق الحقب التاريخية العريقة التي ساهمت بزخم لا يستهان به من العطاء الفكري والثقافي الذي نهل الغرب من علومه كما استولى على مخطوطاته الثبوتية.