آلام الكتابة :أزمة وعي —————/-///— لطالما كانت الكلمة سلاحاً ذا حدين قادرة على البناء والهدم والإيصال والتضليل وفي قلب يكمن الوعي وتلك القوة التي تستطيع أن تحرر العقول وتغير المجتمعات في هذا السياق نجد أن الفلسفة في القرن الثامن عشر قد لعبت دوراً محورياً في إيقاظ الشعوب وتوعيتها مما أدى إلى ثورات فكرية واجتماعية غيرت مجرى التاريخ والنظر إلى أن هذه الصورة الوردية لما يسمى “عصر العقلانية/العقل” تُذكِّر إلى حد كبير بحجج منتقديهافالنظرة السلبية لعصر التنوير تبدأ من فلسفة هيغل وصولا إلى مدرسة فرانكفورت في منتصف القرن العشرين ومرورا بالنظرية النقدية وفي مجملها تعود الى الصورة النمطية السائدة عن التنوير على أنه “عصر العقل” المجرّد. لقد شهد القرن الثامن عشر نهضة فكرية غير مسبوقة حيث ظهرت أسماء لامعة مثل فولتير وروسو ولوك وكانوا رواد عصر التنوير هؤلاء الفلاسفة وغيرهم الكثير اعتبروا أن العقل هو أداة التحرر وأن المعرفة هي السبيل إلى التقدم وقد ركزوا على قضايا مثل الحرية والمساواة وحقوق الإنسان والدين والحكومة “فولتير “دافع عن حرية التعبير والتسامح الديني وهاجم الكنيسة والسلطة المطلقة “روسو “أكد على أهمية العقد الاجتماعي وحقوق الإنسان الطبيعية وضرورة تربية المواطنين على الحرية أما “لوك”فقد قدم نظرية المعرفة القائمة على التجربة وأكد على أهمية الحكومة الديمقراطية أدت أفكار هؤلاء الفلاسفة إلى تغييرات جذرية في المجتمعات الأوروبية حيث أشعلت شرارة الثورات مثل الثورة الفرنسية التي أطاحت بالنظام الملكي المطلق وأدت إلى إصلاحات سياسية واجتماعية مثل إلغاء العبودية وتوسيع حق الاقتراع وشجعت على البحث العلمي والتطور التكنولوجي وساهمت في نشر التعليم وتوسيع قاعدة المتعلمين . في عصرنا الحالي لا تزال الكلمة تحتفظ بقوتها السحرية ولكن بطرق مختلفة فمع تطور وسائل الاتصال أصبحت الكلمة تنتشر بسرعة هائلة عبر وسائل التواصل الاجتماعي وهذ ما يضع على عاتقنا مسؤولية كبيرة في استخدام الكلمة بشكل واعٍ وعليه إن الكلمة هي أداة قوية لتغيير العالم ولكنها تحتاج إلى عقول واعية لتوجيهها وقد أثبت التاريخ أن الفلسفة قادرة على إحداث ثورات فكرية واجتماعية وأن الكلمة يمكن أن تكون شرارة التغيير علينا جميعاً أن نستلهم من تجارب الماضي وأن نستخدم الكلمة لبناء مجتمعات عادلة ومتسامحة لكن كيف يمكننا استخدام الكلمة لنشر الوعي في مجتمعاتنا ؟ ما هي التحديات التي تواجه حرية التعبير في عصرنا ؟ كيف يمكننا التوفيق بين حرية التعبير ومسؤوليتها ؟ حمل المثقفون على عاتقهم مسؤولية نشر الوعي وتوجيه المجتمعات نحو التقدم إلا أنه في عصرنا الحالي بات دور المثقف أكثر تعقيدًا وتنوعًا مع ظهور تحديات جديدة وفرص غير مسبوقة إذ يواجه المثقفون تحديات مختلفة، فقد ساهموا في إطلاق الثورات العربيةو لعبوا دورًا محوريًا في إطلاق شرارتها من خلال نشر أفكار الحرية والديمقراطية، وتسليط الضوء على القضايا الاجتماعية والسياسية الملحة ولكن لم يؤسسوا لبناء المتلقي الواعي لهذه الأفكار فسقطت الأقنعة وتبددت الأحلام ،فتأسيس العديد من الحركات الاجتماعية، مثل الحركات النسوية وحقوق الإنسان وحقوق الأقليات، من خلال الكتابة والتوعية والتعبئة لا يكفي لببناء واقع متغير لأننا لم نؤسس لبناء الإنسان ولكن لبناء نمط جديد من الطبقية والاستغلال فكما استغل المثقفون منصات التواصل الاجتماعي لنشر أفكارهم وآرائهم، والتفاعل مع الجمهور بشكل مباشر، مما ساهم في توسيع دائرة التأثير كان في الطرف المقابل من يبني لمقارنة الأدوار ويصنع تاريخاً جذابا جديدا بصور وتعاليم جديدة الأمثلة كثيرة ومنها إجابة واحدة على السؤال التالي ماذا قدمت الدول العربية للمثقف ؟ كيف احتوته ؟ ربما يجب أن نعيد ترتيب أوراقنا فهل يكفي أن نكون أعضاء في اتحاد الكتاب ليضمن لنا مكانتنا ورفعتنا ؟ هل يكفي أن تنشر أعمالنا بمجهودات الفردية وعلاقاتنا الخاصة ولا نجد من يدعمنا على المستوى الفردي اوالاجتماعي ؟ كل هذه الأسئلة أردت طرحها لنتعرف معا على آلام المثقف العربي وإن اعتبرت نفسي أنتمي إلى هذه الفئة فإني أعزّي نفسي قبل ذي بدء على ما نحن عليه وأتساءل أين المثقف العربي ؟ وهل تجوز مقولة د. فيصل دراّج في كتابه الشهير «دفاع عن المثقفين» والذي ترجمه للعربية جورج طرابيش “المثقف النقدي يعاين الوقائع فاصلاً بين «الزيف» و«الحقيقة».”؟ د/آمال بوحرب كاتبة وباحثة