الحرب الجارية فى *السودان* ليست حربًا أهلية بين الإخوة الأعداء، بل هى *حرب أكاذيب* كبرى ومصالح إقليمية ودولية بامتياز، حرب يدفع تكلفتها الشعب السودانى من أمنه واستقراره ومُقدرات وثروات وحاضر ومستقبل بلاده،
وهو وحده الذى يجنى ثمارها المرة المتمثلة فى *الخراب* والقتل وانعدام الأمن والسلب والنهب والاغتصاب والهجرة القسرية إلى دول الجوار، وعلى رأسها مصر.
وأظن أن الحرب فى السودان- التى بدأت يوم 15 إبريل 2023 بين *القوات المسلحة* السودانية *ومليشيا الدعم السريع* المدعومة من الخارج- قد منحتنا فى مصر الفرصة لاستخلاص عدة دروس داخلية وخارجية مهمة.
*الدرس الأول* يتمثل فى ضرورة الحفاظ على وحدة وقوة الجيش المصرى، ومكانته المميزة فى الوعى والضمير الجمعى المصرى بوصفه « *عمود خيمة الوطن* »، وصمام أمانه المُحصن ضد أى انحيازات وانقسامات دينية أو طائفية أو حزبية أو جهوية،
مع التأكيد دائمًا على *أهمية احتفاظ الدولة ومؤسساتها وأدواتها الرسمية* فقط بالقوة المشروعة قانونًا من أجل بسط السيطرة والنفوذ وحماية حدود ومُقدرات وأمن ووحدة واستقرار الوطن.
*الدرس الثانى* : ضرورة تقوية *وحدتنا الوطنية وتماسك جبهتنا الداخلية،* ومد جسور الحوار والفهم المتبادل بين السلطة وكافة قطاعات المجتمع والنخبة الوطنية من أجل إعطاء قوة معنوية وسياسية للسلطة لمواجهة المشكلات والتهديدات والمخاطر الداخلية والخارجية. *واستقرار على جبهته الداخلية السياسية والاقتصادية والعسكرية،*
*الدرس الثالث* : *ضرورة إعادة ترتيب علاقتنا وتحالفاتنا الإقليمية والدولية* بما يخدم مصالح مصر والمصريين السياسية والاقتصادية، وبما يحافظ على ثوابت أمننا القومى فى الداخل والخارج؛ فلا ثبات فى السياسة التى هى بطبيعتها متغيرة، وتتبع المصالح وليس المبادئ. صحيح أن اجتماع المصالح والمبادئ شىء عظيم ومطلوب؛ لكن عندما يصبح هناك مفاضلة بين المبادئ والمصالح، فعلينا أن نختار المصالح.
*الدرس الرابع* : *ضرورة تقوية الحضور والدور السياسى والثقافى المصرى فى إفريقيا ودول منابع النيل بصفة عامة،* وفى السودان الشقيق بصفة خاصة؛ لأنه ليس من المقبول أن يكون السودان الأقرب جغرافيًا إلى مصر والأبعد ثقافيًا ونفسيًا واجتماعيًا عن النخبة السياسية والثقافية المصرية.
وفى هذا الصدد علينا ألا ننسى أننا نملك فى مصر تعبيرًا عبقريًا كان يُستخدم لوصف الإنسان السودانى، وهو تعبير *«أخو النيل»،* الذى يعنى أن السودانى شقيقى فى الانتساب لأبوة نهر النيل الذى يجمع بيننا ويسير فى أرضنا مثل الدم فى الشريان، ويهب لنا الخير والحياة.
وللأسف الشديد فقد سارت فى مياه نهر النيل بين مصر والسودان فى عقود سابقة *ملوثات سياسية وفكرية* ، تقوم على القناعة التامة والمتبادلة بأن تاريخنا ومصيرنا مشترك، وعلى الوعى الكامل بأن *التنسيق السياسى والأمنى والاقتصادى والتبادل الثقافى بين مصر والسودان ضرورة حياة للبلدين، وطريقهما معًا لتحقيق الاستقرار والازدهار وضمان *حقوقهما التاريخية فى مياه نهر النيل* فى مواجهة التعنت والطمع الإثيوبى.
وأظن أن أولى خطوات السير فى طريق إصلاح العلاقات المصرية السودانية، هى الاعتراف– بعد ممارسة أكبر قدر من النقد الذاتى- بأن المؤسسات العلمية والثقافية والإعلامية فى مصر قصرت كثيرًا فى العقود الماضية فى متابعة الشأن السودانى
، وفى رصد ومعرفة وفهم إنسان وثقافة وفكر السودان والتواصل مع أهله ونخبه الفكرية والثقافية والسياسية. أما الخطوة الثانية فتتمثل فى توفر الإرادة السياسية والثقافية لاستعادة العلاقة الأخوية المتبادلة بين البلدين، وفى إدراك أن تلك «العلاقة النوعية تحتاج إلى الاهتمام القائم على الحب، والمعرفة الدقيقة، والاحترام المتبادل، والحب قبل المعرفة»