يتعرض مجتمعنا لضربات موجعة في أخلاقه و سلوك أفراده ، في البيت و الشارع و المدارس و الجامعات. ضربات و كأنها أمواج متلاطمة من التنافس الغير أخلاقي ، صور قبيحة أوجدت إستقطابا حادا بين أبناء الوطن الواحد و البلدة الواحدة، بل و الأسرة الواحدة.
تعلمنا من صفحات التاريخ أن سقوط الأمم و الإمبراطوريات يعود إلي السقوط الأخلاقي و الخواء الروحي، الأمر الذي يمهد بلا شك لسقوط مادي يبدأ من الرأس و ينتشر في الجسد. و مما لاشك فيه أن الأمم تصل إلي مرحلة السقوط عندما لا تملك القدرة علي التمييز بين الحق و الباطل، و عندما تفشل في التصدي للتحديات التي تواجهها، و عندما تفتقد القدرة علي التجديد. و من هنا أكد المؤرخ( ديورانت) أن الدول لا تهزم إلا عندما تبدأ في تدمير نفسها من الداخل.
إذن فاللبنة الأولي في سقوط أي مجتمع تتمثل في تقاعس الدولة عن حماية ثوابت مجتمعها مثل ( الدين و اللغة و التراث و المصير و جغرافية الكيان)، كذلك السعي إلي تحقيق تنمية إنتقائية تخضع لرغبات مصالح فئوية، و إن كان الشعار هو المصلحة العامة و التنمية الشاملة، و إن كان بريق التنمية يخطف الأبصار و يسبي العقول بواسطة وسائل الإعلام.
أما الصورة الثالثة للسقوط الأخلاقي فتبدو في وجود تشريعات و قوانين لا تنبع من حاجات المجتمع و لا تحترم ثوابته و موروثه الثقافي و الفكري، مع وجود إجراءات لا تحترم قيم المجتمع. و مما يؤكد السقوط الأخلاقي تجاهل الخطاب الإعلامي للواقع، و تقمصه لشخصية الإعلام الحكومي، لا إعلام الدولة.
و أهم ما يبرز عمق السقوط الأخلاقي ، تلك البراهين التي أصبحت تروج للسلام و التطبيع مع عدو مازال عازم علي إسقاطك بشتي الطرق عبر حروب الوكالة، و خلق أعداء وهميين، و رهانات خاسرة، هروبا من الواقع و الجبهات الحقيقية للمعركة.
إن جميع هذة المظاهر ما هي سوي أعراض متقدمة لتراكمات الماضي، و مشهده السياسي المليئ بالمؤامرات و النكبات و كأنها قدر علينا، و ليست خيار منا. إن هذا المناخ كفيل بهدر الطاقات، و رفع درجات السخط، و نشوء ثقافات و قيم سلبية موازية للوصول إلي المصالح، و تصبح مع الزمن كدورة حياة، تحط بالمجتمع إلي قاع السقوط، و تصبح معها الرشوة و الكذب و النفاق و الإحتيال قيم براقة !!. و هذا المناخ أيضا يؤسس لكل أعراض التورية و الرمزية و الإسقاط علي الفكر الناشئ و تشكيل عقول الأجيال المتعاقبة مصحوبة بمعاني الكبت و القمع الفكري و الإذعان و الإغتراب علي حساب الوطن و ثوابته. و من هنا نؤكد ان السقوط الأخلاقي ليس فقط سقوط بلا قاع، و لكنه القاع نفسه.