د. سمير فرج
متابعة عادل شلبى لولا ثورة يوليو العظيمة، والتي سمحت لأبناء الشعب المصري بالالتحاق بالكلية الحربية، لما كنت أنا الآن من ضباط قواتنا العظيمة وقبل ثورة يوليو، لم يدخل أحد من أبناء بورسعيد الكلية الحربية، ولكن عندما جاء عبد الناصر، بثورته العظيمة سمح لنا أبناء الشعب بالالتحاق بالقوات المسلحة، وعندما أشاهد فيلم رد قلبي كل عام، أتذكر العظيم يوسف السباعي، حيث عرض في الحقيقة تفاصيل ما كان يحدث من قبل ثورة 23 يوليو، حيث كان الالتحاق بالكلية الحربية محصورة على أبناء الباشوات في مصر وكبار الملاك في مصر.
لذلك أنا من الجيل الذى تربى على ثورة يوليو 52، وعاش على أغانيها وأناشيدها بدءاً من أغنية «ع الدوار» للرائع محمد قنديل التي غناها في الأيام الأولى من الثورة، إلى أغاني عبد الحليم حافظ، مطرب ثورة يوليو وام كلثوم وعبد الوهاب.
أنا من ذلك الجيل الذى آمن بالقومية العربية، من خطب عبد الناصر، أنا من أبناء ذلك الجيل الذى عاش انتصارات ثورة يوليو؛ من تأميم قناة السويس، وصد العدوان الثلاثي على بورسعيد.
وأنا، شخصياً، من ذلك الجيل الذى كانت مبادئ ثورة 52، أحد أهم أسباب التحاقه بالقوات المسلحة المصرية، حباً وعشقاً وإخلاصاً لتراب هذا الوطن، تلك الرغبة التي تأكدت أثناء حرب 56، التي عاصرتها في مدينتي الحبيبة بورسعيد، وعاهدت نفسي، حينها، أن أصبح أحد ضباط القوات المسلحة.
وتخرجت من الكلية الحربية، ومرت الأعوام، وبعثت للدراسة في إنجلترا، بعد انتصار قواتنا المسلحة في حرب أكتوبر 1973، فأتاحت لي مكتبة كلية كمبرلى الملكية، فرصة الاطلاع على أرشيف الصحف البريطانية المعاصرة لثورة يوليو 52، وبدا منها كره الساسة الإنجليز للرئيس عبد الناصر وخاصة وخاصة ان ايدن رئيس وزراء بريطانيا وجوموليه رئيس وزراء فرنسا الذى نجح في طردهم من مصر، بعد احتلال دام 72 عاماً، وزاد حقدهم بعد نجاحه في تأميم قناة السويس، وقراره ببناء السد العالي، ليعم الرخاء على مصر، وهو ما كان الدافع وراء قرارهم بالانضمام للعدوان الثلاثي على مصر، بمشاركة العدو الإسرائيلي، ولتبدأ سلسلة من المكائد ضد عبد الناصر، ومصر، حتى لا تتطور ولمنعها من تأسيس جيشها العظيم.
وجاءت حكاية ثورة يوليو 52 بظهور تنظيم الضباط الأحرار، فى الجيش المصرى، بقيادة البكباشى جمال عبد الناصر، وفى يوم ٢٣ يوليو من عام 1952، قاد التنظيم، ثورته البيضاء، التى لم ترق فيها نقطة دماء، ونجح فى السيطرة على المرافق الحيوية فى البلاد،وأجبرت الثورة، الملك فاروق الأول على التنازل عن العرش، لولى عهده الأمير أحمد فؤاد، ومغادرة البلاد فى ٢٦ يوليو 1952، وتم تشكيل مجلس وصاية على العرش، كما تم تشكيل مجلس قيادة الثورة، الذى يضم 13 ضابطاً، برئاسة اللواء محمد نجيب، ليمسك بزمام الأمور فى الدولة المصرية.
أعلنت الثورة مبادئها الستة، وهى القضاء على الإقطاع، والقضاء على الاستعمار، والقضاء على سيطرة رأس المال على الحكم، وبناء جيش وطنى قوى، وإقامة العدالة الاجتماعية، وتأسيس حياة ديمقراطية سليمة، ومن خلالها حققت العديد من الإنجازات السياسية، منها إسقاط دستور 1923، وحل الأحزاب السياسية، وإلغاء الملكية وإعلان الجمهورية فى 18 يونيو ١٩٥3، برئاسة اللواء محمد نجيب، كأول رئيس للجمهورية، حتى عام 1954، تم خلالها توقيع اتفاقية الجلاء، وخروج المستعمر البريطانى، بعدما ظل محتلاً الأراضى المصرية لمدة ٧٤ عاماً.
وحتى بعد تولى الرئيس جمال عبدالناصر حكم البلاد، توالت إنجازات الثورة، تحقيقاً لمبادئها، سواء على الصعيد الداخلى، بتأميم قناة السويس عام 1956، أو بإنشاء السد العالى عام 1961، أو بإقرار مجانية التعليم العام، والتعليم العالى، وإنشاء العشرات من الجامعات فى شتى أنحاء البلاد، بدلاً من الجامعات الثلاث التى كانت موجودة، فى ذلك الوقت، وإنشاء مراكز البحث العلمى.فضلاً عما سبق ذلك من إصدار قانون الملكية يوم ٩ سبتمبر 1952، وتأميم التجارة والصناعة، للقضاء على الإقطاع، بعد عقود من استئثار الأجانب بهذا القطاع، وتحرير الفلاح بإصدار قانون الإصلاح الزراعى.
كما أنشأت الثورة الهيئة العامة لقصور الثقافة، بهدف نشر الثقافة، خاصة فى مناطق طال حرمانها من ثمرات الإبداع التى احتكرتها القاهرة فى هذا الوقت، كما أنشأت أكاديمية الفنون بمعاهدها المتخصصة فى المسرح، والباليه، والسينما، والنقد والكونسرفتوار، فضلاً عن الاهتمام برعاية المتاحف والآثار.
أما على الصعيد الخارجى، فتم توحيد الجهود، لتحقيق أمل الوحدة العربية، من المحيط إلى الخليج، فحققت الثورة تجربة الوحدة العربية مع سوريا فى فبراير 1958، ورغم أن التجربة لم يُكتب لها النجاح، وتم الانفصال فى عام 1961، فإنها كانت تجربة فريدة بكل المقاييس. كما حشدت الثورة الطاقات لإطلاق حركات التحرير، وصارت قطب الحريات فى العالم العربى والإفريقى، بدعمها حركات التحرر فى تونس والجزائر والمغرب، حتى تحقق لهم الاستقلال.
وامتدت آثار الثورة إلى المستوى العالمى، فشكلت حركة عدم الانحياز مع يوجوسلافيا بقيادة الزعيم جوزيف تيتو، ومع الهند بقيادة الرئيس نهرو، مما عزز من دور مصر، وتلك الدول، على المستوى العالمى.
ولتحقيق هدف ثورة 1952 فى بناء جيش وطنى قوى، عقدت مصر صفقة الأسلحة التشيكية، والتى مثلت نقطة تحول فى كسر احتكار السلاح العالمى، وتم بعدها تطوير القوات المسلحة، وتطوير الصناعات الحربية، والمعاهد العسكرية، بالتعاون مع الاتحاد السوفيتي. ولما رفض الغرب المساعدة فى تمويل بناء السد العالى، اتخذ الرئيس عبدالناصر قرار تأميم قناة السويس، عام 1956، مما دفع إنجلترا وفرنسا وإسرائيل لشن عدوانهم الثلاثى على مصر فى أكتوبر من نفس العام، فكانت روح ثورة ٢٣ يوليو، السند وراء نجاح مصر فى صد ذلك العدوان، وانسحب العدو من أرض بور سعيد يوم 23 ديسمبر، وحققت مصر النصر فى واحدة من أعظم معاركها وهى بناء السد العالى، وتأميم قناة السويس.
وكانت الثورة سبباً فى تغيير إيجابى فى حياة المصريين، بما أسست له من ثورة صناعية جديدة، بإنشاء صناعة الحديد والصلب فى حلوان، وصناعة السيارات، ومصانع الغزل والنسيج فى المحلة الكبرى وكفر الدوار، ومصانع الألومنيوم والأسمدة بصعيد مصر، معتمدة فى ذلك على الخطط الخمسية لتطوير الاقتصاد المصرى، فحققت نمواً يشار له بالبنان، وكانت مثلاً يحتذى به لكل الدول المتطلعة للحرية والاستقلال. إلا أن دعم مصر ثورة اليمن، استنزفت الكثير والكثير من مواردها الاقتصادية، وعقب ذلك شن العدو الإسرائيلى حرباً على مصر، عام 1967، مما كان، بلا شك، ضربة قوية لنجاح ثورة يوليو ٥٢، ودخلت مصر، حينها، مرحلة جديدة، هى حرب الاستنزاف، لمدة ست سنوات، حتى يوم السادس من أكتوبر من عام 1973، عندما حقق جيش مصر، والشعب العظيم، أمجد انتصاراته، فى العصر الحديث، باقتحام قناة السويس، وتدمير خط بارليف، ورد اعتبار القوات المسلحة المصرية، واستعادة الأرض كاملة.
ورغم كثرة محاسنها كثورة عظيمة بيضاء، يظل لثورة يوليو 1952 بعض المساوئ، أهمها الدخول في حرب اليمن، التي فقدت فيها مصر الكثير والكثير، على كافة الأصعدة العسكرية والاقتصادية، والإنسانية، بعدما استشهد الآلاف من أبنائها على سفوح ووديان جبال اليمن، فكانت أحد الأسباب الرئيسية في هزيمة الجيش المصري في حرب 67، ومع ذلك تظل ثورة يوليو، بشهادة التاريخ العالمي، ثورة بيضاء، لم ترق فيها نقطة دماء واحدة، وأولى الثورات التي انحازت بمبادئها للمواطن المصري، بتحقيق الكرامة، والعدالة، والمساواة، والاستقلال، وكانت الشرارة الأولى لاستقلال الكثير من الدول العربية والأفريقية.