عندما بدأت أعمال القتال في السابع من أكتوبر 2023 بين المقاومة الفلسطينية (حماس)، لم يتوقع أي من المحللين العسكريين أن يمتد يستمر الأمر أكثر من عدة أسابيع ، وها نحن في الشهر الثامن ولازال القتال مستمر ، وإذا تمعنا في الأمر سنكتشف أننا أمام ثلاثة حروب وليس حرب واحدة تشهدها أرض غزة . الحرب الأولى، هي الحرب التقليدية بين القوات الاسرائيلية وقوات حماس الصامدة، أما الثانية فهي الحرب النفسية التي تشنها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني بشكل رئيسي بالإضافة إلي استهدافها الرأي العام الإسرائيلي والعالمي ،لأقناعه بأن النصر حليف إسرائيل لا محالة أما الحرب الثالثة ،فهي حرب الابادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، الذي استشهد منه حتى الأن أكثر من 35 ألف شهيد أكثرهم من النساء والأطفال ،بالإضافة إلي 75 ألف جريح ، هذا إلي جانب عمليات التدمير الكلي للبنية التحتية الأساسية لغزة ،من منازل ومستشفيات ومرافق ومحطات المياه والكهرباء ،وصارت غزة منطقة أنقاض حرب. وبمراجعة الموقف في الحرب الأولي نجد أن إسرائيل حتي الان لم تتمكن من تحقيق أي إنجاز ،أو أيا من أهدافها التي تتلخص في أربعة أهداف هي القضاء على حماس وهذا لم يحدث وإجلاء الرهائن الاسرائيليين من يد المقاومة وهذا أيضا لم يحدث علي الرغم من عمليات تسريح عدد من الرهائن التي جاءت كنتيجة لمباحثات وقف اطلاق النار وليس بالقتال كما يدعي نتنياهو. أما الهدف الثالث وهو الاستيلاء على غزة ،فهو أيضا لم يحدث ومازالت إسرائيل تقاتل في شمال ووسط غزة ، وحاليا في الجنوب باتجاه ورفح ، حتي الأن لم تتمكن من السيطرة على غزة. ويأتي الهدف الرابع والمتعلق بنقل أهالي غزة إلي صحراء سيناء ،أو ما يطلق عليه عملية Transfer ،وهذا أيضا لم تنجح إسرائيل في تحقيقه فيه ،بفضل قرار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي منذ الاسبوع الأول من بدء القتال ،عندما أعلن رفض نقل أهالي عزة لسيناء بما يمثله من تفريغ القضية الفلسطينية من مضمونها وإنهاء حلم إعادة الدولة الفلسطينية. وهكذا تمر أحداث الحرب في شهرها الثامن دون تحقيق إسرائيل لأية مكاسب أو انتصارات ، بل علي العكس ، فقدت إسرائيل ثلاث الاف جندي وضابط وهناك والالاف من المصابين في العمليات بين أفراد الجيش الإسرائيلي ،الأمر الذي يثبت للعالم كله أن جيش الدفاع الإسرائيلي الذي لا يقهر ،يقف عاجزا أمام صلابة المقاومة الفلسطينية ،هذا بالطبع بالإضافة إلي فشل أجهزة الاستخبارات الاسرائيلية الموساد والشاباك وامان الثلاثة ،في اكتشاف بدء عمليات الهجوم من حماس الاستعدادات التي تمت لهذه العملية ولا حتى التدريبات التي تمت قبل الحرب أو حتى عملية شراء الطائرات الشراعية التي عبرت بها قوات حماس الحائط الذي اقامته اسرائيل أمام غزة. وإلي جانب ذلك فشلها في اكتشاف ومعرفة اي معلومات دقيقة حول الأنفاق أو مترو غزة الذي تسبب في خسائر كبيرة للقوات الاسرائيلية، ومازالت عناصر حماس تختبئ في هذه الانفاق. وعلى رأسهم يحيي السنوار ومعه الرهائن الاسرائيليين ،وهو ما يعد أكبر فشل للاستخبارات الإسرائيلية. وعندما نتحدث عن الحرب الثانية وهي الحرب النفسية. والدعائية والتي ظهرت مؤخرا في إعلام اسرائيل من إعلانها الاستيلاء على ممر فيلادلفيا ،ذلك الممر الخالي من القوات العسكرية وفقا لاتفاقية السلام ،والممتد بطول 14 كيلو من البحر المتوسط حتى معبر كرم ابو سالم ،بعمق في حدود 100 متر وتم الاتفاق بعد انسحاب اسرائيل من غزة عام 2005 ،ليكون منطقة عازلة لا تتواجد بها اي قوات بهدف أن يصبح Buffer Zone بين غزة ومصر، لمنع اي عمليات تهريب للأسلحة أو المخدرات وهو الاتفاق الذي ألتزمت به مصر و حافظت على عدم وجود اي قوات مصرية وبالتالي فلسطينية والاسرائيلية في هذا الممر الذي يعتبر جزءا من الاراضي الفلسطينية تنفيذا لبنود الاتفاقية . لنفاجا بإعلان إسرائيل في الأيام الماضية عن احتلالها لممر فيلادلفيا ،تحت شعار تدمير الأنفاق بين غزة ومصر ،ومنع تهريب الاسلحة من مصر الى غزة وهو أمر عاري تماما من الصحة. فمصر خلال السنوات الستة السابقة قامت بالقضاء على عناصر الارهاب في سيناء ونجحت في تدمير وازالة كافة الانفاق التي كانت موجودة من قبل بين غزة ومصر، ليس لصالح إسرائيل ولكن حماية لأمن مصر القومي فقط ، ومن هذا المنطلق فان مصر علي يقين انها أزالت كافة الانفاق. وأكررها الهدف كان الأمن القومي المصري فقط لأغير .. وقد أظهرت عملية احتلال اسرائيل لممر فيلادلفيا الخالي من اي قوات ، أن الهدف منها هو استخدامها في الحرب الدعائية لإظهار أن إسرائيل تحقق نصر علي ارض غزة ، وأن الجيش الإسرائيلي نجح في الاستيلاء علي أرض جديدة في المعركة. أما بالنسبة لمصر ،فعليا أن نعلم أولا أن ممر فيلادلفيا لا يقع في الأراضي المصرية ،بل في الأراضي الفلسطينية ،ولكن علي الرغم من ذلك ،فدخول القوات الإسرائيلية لتلك المنطقة هو مخالفة لبنود اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل. وعند حدوث مخالفة لبنود الاتفاقية ،فهناك لجنة مشكلة من الجانبين ،يتمثل دورها في مراقبة حدوث أي اختراق لبنود المعاهدة من أي من الجانبين لبحث المسألة وتحديد السبب والإجراءات التي يجب اتخاذها ،بداية من التوجيه للقوات الإسرائيلية بالخروج من الممر، وعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه طبقا لنصوص الاتفاقية واذا لم تلتزم اسرائيل بذلك فهناك اجراءات تصعيدية أخرى من جانب مصر نحو عدم التزام اسرائيل تنفيذ بنود اتفاقية السلام لكامب ديفيد. وفي إطار الحرب النفسية التي تقوم بها إسرائيل ،قامت بإعلان احتلالها لمعبر رفح من الجانب الفلسطيني لإقناع الشارع الاسرائيلي أن جيشهم حقق نجاحات تجاه المقاومة الفلسطينية. وتجيء اخيرا حرب الابادة ضد الشعب الفلسطيني فلدينا قرار المحكمة الدولية في لاهاي والخاص بإدانة نتنياهو رئيس الوزراء ومعه وزير الدفاع الاسرائيلي. والثاني الخاص بوقف اطلاق النار فورا وعدم اقتحام مدينة رفح. والادانة الكاملة للأعمال الوحشية ضد الشعب الفلسطيني. علاوة على قرار للأمم المتحدة بالأغلبية بوقف اطلاق النار فورا ورغم ذلك لم تمتثل اسرائيل لهذه القرارات حتي بعد أن تم عرض القرارات على مجلس الامن ليقف الفيتو الامريكي حائلا ضد تنفيذ هذا القرار!. وهكذا فان اسرائيل تدخل شهرها الثامن في هذه الحروب الثلاثة دون تحقيق اي نصر من قريب او بعيد ولكنها فقط حققت القتل والدمار للنساء والاطفال في اسوأ كارثة انسانية وبشرية في العصر الحديث.