كان يوم عطلة وأنا ألج إحدى النوادي الثقافية في عز النهار أثناء وقت الدروة، فجأة لمح بصري الكراسي الفارغة لكنها مليئة بالغائبين، فقررت الجلوس على طاولة في الزاوية الخلفية، بعيدا عن الحاضرين (مدير النادي والموظفين)، أفكر في معنى الحدث بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فتباذرت إلى ذهني القولة الشهيرة: (العبقرية أنك تفهم و تصمت، تلاحظ و تخفي، تلاحظ ولا تعلق، جميل هو إحساسك باكتشاف من حولك و فهمك العميق لنياتهم أجمعين). حينها اكتشفت أن القولة تستخف بالعقول من غرض التبعية والخضوع والتهرب عن المسؤولية لإنجاب الجبناء من فاقدي الأهلية. هذا التحليل لا يقودنا إلى التحلي بأخلاق الجاهل الذي يجيب قبل أن يسمع و يعارض قبل أن يفهم و يحكم بما لا يعلم. لأن الواقع الحالي يحتم علينا إبراز حقائق إيديولوجية من منظور مختلف حسب نوعية الأخلاق والقيم الإجتماعية. نعم إنها الصراحة، هكذا تنعت صورة الشخصية العربية لدى الغرب : – يعتبرون التركيبة العربية المعقدة لا تحتمل أخف الهزات ولا تنتج بل هي عالة على العالم. في إشارة على أن اختفاء العرب جميعا من على كوكب الأرض لا يغير شيئا في الوجود ؟!! … و تأكيدا على أن العالم لا يخسر أي شيء بعد انذثار الأمة العربية ؟!!… لكن العالم الرأسمالي في الواقع: – سيخسر كل ما يثبت قوته على رأس الهرم – سيفلس أكبر سوق لبيع الأسلحة بما فيها أسلحة الدمار الشامل… – ستفتقد مناصب الشغل بمصانع الأسلحة…..والأدوية….. – ستغلق الشركات العالمية للمنتجات الاستهلاكية المسرطنة…. – ستشل مصانع الأدوية التي توهم الجميع بنجاعة منتجاتها رغم أنها تمثل مصدر المآسي الصحية. – ستختفي بؤر النزاع والحروب الضارية….. – ستذهب الأخلاق والقيم مع العرب. – سيعم السلم والسلام العالمي ،وهذا ليس في مصلحة الدول الرأسمالية الكبرى، لأن استقرارها مرتبط بالفتن الخارجية. – سيتعطل نشاط ووظائف جميع عملاء وكالة المخابرات المركزية وكذا المنابر الإعلامية التي تهيمن على الساحة الدولية بنشر الأخبار الزائفة والافتراءات من أجل اندلاع الصراعات وخلق التفرقة. أما صورة الشخصية الغربية لدى العرب: تشيد من خلالها على أن الغرب يعتمد على نظرية، الرجل المناسب في المكان المناسب. لكن منطق الرأسمالية العالمية المتوحشة يؤكد العكس، بعدما تحولت هذه المكاسب إلى هيمنة ساهمت في تشتيت الشعوب بدون رحمة ولا شفقة. هكذا و من أجل تماسك الصورة من الجانب النظري على الواقع من حيث القياس في تعميق البراهين المعرفية لقد لخص الاجتماع مع الغائبين بالنادي ما يلي: – استكشاف “النهج من القاعدة إلى القمة” كأحد ركائز مبادرة مراكز الإنحطاط المؤثرة سلبا على الأوضاع. – عرض القدرات المثالية للتحقيق في الأحداث المأساوية التي تعيشها دول العالم الثالث. – السعي تعاونيًا نحو مستقبل أكثر أمانًا لمنطقة معينة دون أخرى ، مدعومًا بالعزم الجماعي للدول. باعتبار مشروع تحليل وضعية الواقع العربي ودراسة حلقاته الأساس ينبني عن الرؤية النقدية لبنية العقل العربي التي تتجلى في: – تفعيل مرجعيات لا تستند في مناهجها عزل الكتابة المفصلية الدقيقة عن القارئ. – تجنب نهج مبدئ القطيعة مع الثقافة التراثية و المعاصرة. – البعد الاستشرافي لضمان العلاقة الدؤوبة بالمواضيع المقروءة. د.محمد جستي