مع بداية كل عام ميلادي جديد، يترقب الخبراء العسكريون، والاستراتيجيون، حول العالم، صدور ثلاث تقارير هامة، يختص كل منها بتصنيف، أو بتقييم، القوى العسكرية والحربية للدول، كل من خلال تخصصه. أول تلك التقارير، هو ذلك الذي تصدره “منظمة جلوبال فاير باور” Global Fire Power (GFP)، والذي يقوم بترتيب القوى العسكرية، لكل جيوش دول العالم البالغ عددها 145 جيش، وذلك بالنظر لحجم القوى التقليدية فقط، دون احتساب القوى النووية، من خلال معايير محددة، ويتم نشره على الموقع الرسمي للمنظمة، خلال الربع الأول من كل عام.
أما التقرير الثاني، فهو تقرير “التوازن العسكري”، أو “The Military Balance”، الذي يصدره “المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية”، في لندن، International Institute For Strategic Studies (IISS)، كأحد أهم التقارير المختصة بالشأن الاستراتيجي، والعسكري، وعلى عكس التقرير السابق، لا يتم إتاحته، مجاناً، على الموقع الرسمي للمعهد. يحتوي التقرير على مختلف البيانات العسكرية الخاصة، بكل دولة، بداية من قوتها البشرية، مع استعراض تفصيلي لميزانيتها، والموارد المخصصة لقواتها العسكرية، كما يقوم بحصر أعداد وأنواع الأسلحة والمعدات العسكرية التي تمتلكها كل دولة، ويتضمن البيانات الخاصة بقوات الاحتياط، وأنظمة مراكز القيادة والسيطرة، والقواعد العسكرية، وصولاً إلى القوات الفضائية التي تمتلكها الدولة، وكذلك مستويات التدريب المشترك مع قوات الدول الأخرى. ورغم دقة وشمولية البيانات التي يستعرضها التقرير إلا أنه لا يتطرق لتصنيف القوي العسكرية للدول، تاركاً تلك المهمة لمنظمة Global Fire Power (GFP).
أما ثالث التقارير التي ينتظرها المحللون العسكريون والاستراتيجيون، فهو ما يصدره “معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام”، وهو معهد مستقل، معني ببحث الصراعات، وعمليات التسليح، حول العالم، والقضايا الخاصة بنزع السلاح، على المستوى الدولي. يعود تاريخ إنشاء المعهد إلى عام 1966، ويحسب له العديد من الجهود في نزع السلاح حول العالم، كما يقوم بتقديم ونشر تحليلات وتوصيات للباحثين في مجال الدراسات الاستراتيجية والعسكرية ووسائل الإعلام، وقد نال المعهد جائزة اليونسكو لتعليم السلام عام 1982.
ومنذ أسابيع قليلة صدر التقرير السنوي لعام 2024، لمنظمة Global Fire Power (GFP)، مصنفاً القوى العسكرية في العالم، بناءً على 60 عامل، يتم من خلالهم عملية التقييم، وتشمل تلك العوامل أعداد وأنواع الأسلحة والمعدات، والموقف المالي، والنظم الإدارية، والعناصر الجغرافية للدولة، فجاءت الولايات المتحدة الأمريكية في المركز الأول، كأكبر القوى العسكرية في العالم، يليها روسيا في المركز الثاني، ثم الصين كثالث القوى العسكرية عالمياً، وبعدهم الهند، وكوريا الجنوبية، يليها بريطانيا، وبعدها اليابان في المركز السابع، ثم تركيا في المركز الثامن، وباكستان في المركز التاسع، وفي المركز العاشر إيطاليا. وجاءت فرنسا في المركز الحادي عشر، يليها البرازيل، ثم إندونيسيا في المركز الثالث عشر، وبعدهم إيران في المركز الرابع عشر، وجاءت مصر في المركز الخامس عشر، ثم أستراليا في المركز السادس عشر، وبعدها إسرائيل في المركز السابع عشر، وأوكرانيا في المركز الثامن عشر، يليهم ألمانيا في المركز التاسع عشر، وفي المركز العشرين جاءت إسبانيا.
وبنظرة سريعة لتحليل التصنيف الصادر حديثاً، نجد أن تركيا قد تقدمت من المركز الحادي عشر إلى المركز الثامن بسبب حصولها على صفقة الصواريخ S400 الروسية الصنع، والتي تعتبر أرقى أنظمة الدفاع الجوي في العالم، وكذلك الموافقة على حصولها على طائرات F16، تلك الصفقة التي كانت أمريكا قد أوقفتها سابقاً، ثم عادت وسمحت بها، بعد موافقة تركيا على انضمام السويد وفنلندا لحلف الناتو. كما أحرزت إيران تقدماً من المركز السابع عشر إلى المركز الرابع عشر، بسبب تطويرها للطائرات المسيرة، خلال العام الماضي، والتي تم اختبارها، ونجاحها في الحرب الروسية الأوكرانية.
أما مصر فقد حافظت على مركزها كأول دولة عربية، وأفريقية كذلك، في الترتيب العالمي، يليها، على المستوى العربي، السعودية في المركز 23، بعدها الجزائر في المركز 26، أما العراق فاحتلت المركز 45، وجاءت الإمارات في المركز 51، ثم سوريا في المركز 60 تلتها المغرب في المركز 61 وقطر في المركز 63 أما المركز 74 من نصيب تونس ثم السودان في المركز 76 ثم الكويت في المركز 77 ثم سلطنة عمان المركز 78 ويليها كل من ليبيا والأردن واليمن في المركز 81 والبحرين في المركز 86 وأخيرا لبنان في المركز 118.
وتشير تقارير مراكز الدراسات الإستراتيجية الدولية، إلى أن نجاح مصر في تكوين هذه القوة العسكرية، يرجع لعدة أسباب، أهمها اتخاذ الرئيس عبد الفتاح السيسي، قرارا، فور توليه مسئولية البلاد، بتنويع مصادر السلاح، بعد 40 عاما من اعتماد الجيش المصري على السلاح الأمريكي، وهو القرار الذى لم يقصد منه التقليل من أهمية السلاح الأمريكي، وإنما اعتبار الأمن القومي المصري على رأس الأولويات عند تدبير احتياجات الجيش المصري من الأسلحة، والمعدات المختلفة، وبما يضمن استمرار توفير قطع الغيار، والدعم الفني اللازم لتلك الأسلحة. أما السبب الآخر، فيعود لعدد ونوعية التدريبات المشتركة التي شارك فيها الجيش المصري مع الجيوش الأجنبية، مما رفع من كفاءة الخبرات القتالية المتبادلة بين جميع الأطراف.
وفي مقالي، في الأسبوع القادم، سأتناول العناصر التي على أساسها يتم حساب تصنيف القوات عسكرياً من حيث عدد الأسلحة والمعدات ومستوى التدريب وميزانية الدفاع.