قال تعالى في سورة النساء: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّـهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) (النساء :1).
تعتبر هذه الآية الكريمة حقيقة أزلية، أن الله خلق الذكر والأنثى في مرتبة واحدة وحدد لكل منهما مسؤوليته في الحياة. فجعل الذكر قوّامًا على الأنثى، كلَّفه بحمل مسؤولية الرعاية والحماية وتأمين متطلبات الأنثى من احتياجاتها الحياتية لها ولأطفالها الذين هُم من صلبه.
الله خلق الذكر والأنثى لكل منهما مسؤوليته وحمَّل الأنثى مسؤولية لا تقل عن مسؤولية الذكر، تبدأ بالحمل والوضع للأطفال والعناية بتربيتهم وتمريضهم وإطعامهم والسهر على راحتهم، إضافة إلى تلك المسؤولية العظيمة وما فيها من معاناة وما تمر به الأنثى أثناء الحمل من آلام وما تتحمله من صبر حتى تضع طفلها، وتبدأ معاناة أخرى تتمثل في إطعامه وتربيته والسهر على راحته، وبالإضافة لذلك كلفها الخالق أن تكون سكنًا لزوجها وأن تسهر على راحته وتعتني به في مرضه.
ولو قارنّا حجم المسؤولية الملقاة على الأنثى، لنجدها أضعاف مسؤولية الرجل المحددة في جلب الرزق والصرف على الشؤون المنزلية ومتطلبات الأسرة، مع فارق المسؤولية بينهما، وبالرغم من ذلك نجد الذكور طغوا على حق المرأة في تشريعاتهم وفيما ابتدعوه من فقه ظالم صادرَ حق المرأة بالكامل واعتبرها مجرد متعة للرجل وخادمة في البيت ومربية لأطفاله وله الحق أن يطردها من بيته وقتما يشاء بكلمة (طالق) دون حقوق لها.
أكثر من 70 آية في القرآن تحمي المرأة ولو تدبرنا في القرآن الكريم لوجدنا العدد الكبير من الآيات تتعلق بحقوق المرأة والتي تجاوزت سبعون آية، تتضمن تشريعات وأحكام وعظات لحماية المرأة من أي تعسف في معاملتها من قِبَل الزوج، بالرغم مما تتحمله من مسؤولية جليلة من حمل ورضاعة وتربية وسهر، علاوة على مسؤولية البيت حيث تصبح مسؤولياتها ثلاثة أضعاف مسؤولية الرجل.
لقد احتكر الرجال وضع كتب الفقه، واعتمدت عليه قوانين الأحوال الشخصية في المجتمعات العربية بشكل يخالف التشريع الإلهي، ضاربين عرض الحائط بكافة حقوق المرأة بكل الاستبداد والأنانية لخدمة أهوائهم الشخصية ورغباتهم في الاستعلاء على المرأة وإذلالها لتكون مهمتها الإنجاب والتربية والخدمة في المنزل.
وقد تجاوز الفقهاء الخطوط الحمراء في التشريع الإلهي الذي أنصف المرأة، ووضع من الأحكام درعًا يحفظ حقوقها، فقد ظُلِمَت المرأة قرونًا طويلة حين تم هجر القرآن وتشريعاته التي تحقق العدل للأسرة ذكورًا وإناثًا وأزواجًا.
تشريعات تحمي حقوق المرأة وقد عرض القرآن الكثير من التشريعات الخاصة بها في أكثر من سورة، وهي (سورة النساء وسورة الطلاق)، وتضمنت سورة البقرة وسورة المائدة وسورة النور وسورة المجادلة وسورة الممتحنة وسورة التحريم الكثير من الآيات الخاصة بالمرأة أيضًا.
ولو قارنَّا حرص القرآن الكريم على ذِكر مكانة المرأة وحقوقها بالنسبة للرجل، لوجدنا ذِكر الرجل أو الذَكر بالنذر اليسير ، لأن الله سبحانه يعلم اعتداد الرجل بالقوة والاستعلاء والتميز بالذكورة، مما يعطيه حق السيادة على المرأة متجاوزًا بذلك كل التشريعات والأحكام الإلهية لإرضاء نفسه وتحقيق رغباته الأنانية.
وعلى مَر العصور، ظلَّ فقه الأحوال الشخصية محصورًا على الرجال، ولم يسعَ أحدهم لاتباع التشريع الإلهي وأحكامه فيما يختص بأحكام المرأة والتي تحافظ على حقوقها.
أحكام الفقه تسببت في تشريد الأطفال ولذلك، وحيث أن المرأة لم يكن لها دور في المشاركة مع الرجل في التشريع واستنباط الأحكام من الآيات الكريمة لوضع قوانين الأحوال الشخصية تتفق مع التشريعات الإلهية، لتغيرت معالم المجتمع العربي والإسلامي في حماية الأسرة، لتطلق مناخًا آمنًا ومستقرًا لتربية الأطفال ورعايتهم عِلمًا وأخلاقًا، حيث ترتقي المجتمعات العربية والإسلامية في التعليم والإبداع والمساهمة الإيجابية في تقدُّم البشرية في كل المجالات.
ولكن أحكام الفقه المغايرة لشرع الله، تسببت للأسف في تشريد الأطفال في الشوارع مما جعلهم يضيعون بين المخدرات والتسول والسرقات، ومنهم من استغلتهم الجماعات الإرهابية وحولتهم إلى وحوش وقتلة واستباحوا إنسانيتهم، وفقدت المجتمعات عشرات الآلاف من الشباب كان يمكن أن يتحولوا إلى قاطرة التقدم والتطور في مجتمعاتهم.
العودة لكتاب الله في قضية الطلاق ولذلك فإن قضية الطلاق تتطلب ضرورة العودة لكتاب الله الذي يأمر بالعدل والإنصاف ويُحرِّم العدوان بكل أشكاله المعنوية والمادية، فلا خلاص للمجتمع العربي والإسلامي إلا بالعودة لكتاب الله ليخرجنا من الظلمات إلى النور ويحمي الحقوق بالعدل ويهزم الباطل.
ومن أجل تصحيح مسار الأسرة العربية والإسلامية، ينبغي تشكيل لجنة من الخبراء القانونيين مناصفةً بين الرجال والنساء، بحيث تكون مهمتهم تصحيح ميزان العدل ووضع قانون جديد للأحوال الشخصية معتمدًا على مرجعية واحدة هي كتاب الله وآياته فقط، حتى نبدأ خطوة شجاعة نحو بناء أسس سليمة وعادلة تحقق المصالحة بين الرجل والمرأة، وتحدد مسؤولية كل منهما في سبيل بناء مجتمع التعاون والألفة والرحمة، وتعظيم المودة بين الزوجين من أجل استكمال مهمتهما في بناء لَبِنات قوية ومتينة تتجاوز الخلافات البسيطة. هدفهما الأسمى رعاية الأطفال والحفاظ عليهم، وحماية الأسرة من التفكك لأن الأسرة قوام المجتمع، عندئذٍ تستطيع المجتمعات العربية والإسلامية التقدم والتطور والرقي وقيادة الحضارة الإنسانية نحو العدل والحرية والرحمة والسلام.
تكريم الأم في آيات الذكر الحكيم وقد كرَّم الله تعالى المرأة والأم في قوله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ۚ ) (الأحقاف: 15)
وهذه الآية تصف معاناة الأم في مراحل الحمل والإنجاب والرضاعة، ولذلك أوصى الخالق بالإحسان إليها وباحترامها وبالرعاية لها لما تكبدته من آلام مريرة، فيأمر سبحانه الأبناء بتعظيم دور الأم وتقديرها والإهتمام بها والعطف عليها والعناية بها ورعايتها في صحتها وفي مرضها وعدم الإساءة إليها تحت كل الظروف. فالذكر والأنثى هما أساس الأسرة، والأسرة تشكِّل أساس المجتمع.
تأثير الطلاق على الأسرة والأبناء وهذا الاستثناء الذي يبيح للزوجين العودة بعد الطلاق إذا تراضى الزوجان بالمعروف من أجل المحافظة على استمرار العلاقة الزوجية التي تؤدي بالتالي لحماية الأسرة من التفكك، لنرى رحمة الله بالأسرة وحماية الأطفال حتى ينشؤوا في رعاية أبويهم، مما يزرع الثقة فيهم والطموح ويساعدهم على تلقّي العِلم والنبوغ في مناخ مستقر ترفرف عليه المحبة والمودة والتراحم بين الوالدين، مما يمنح الأطفال الأمان والثقة بالنفس، وتقل لديهم الأمراض النفسية التي تنشأ بسبب انفصال الأبوين وما سيترتب عليه من مشاكل اجتماعية مثل تشرُّد الأطفال والتسكُّع في الشوارع.
ومما يدل على مساواة الرجل والمرأة قوله سبحانه: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)(النحل: 97)
الله خلق الذكر والأنثى متساويان في الحقوق والواجبات وقد حمَّل القرآن الكريم الرجل والمرأة مسؤولية مشتركة بالتساوي عند خلق آدم فقال سبحانه: (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ) (الأعراف: 20)
وقوله تعالى: (هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ۗ ) (البقرة: 187)، وقوله سبحانه: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (البقرة : 228). وتعني الآية الكريمة أن على الزوجين أن يتعاونا معًا في الحياة الزوجية على حدٍ سواء، فلها مثل الذي عليها من الحق المشترك وهذا التماثل يعني التساوي.
معنى القوامة وحينما يقول سبحانه: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ) (النساء: 35)، إنما تعني تكليف الرجل بالمسؤولية الكاملة برعاية الزوجة وحماية الأسرة والإنفاق عليها والدفاع عن أمنها، ويشتركان معًا في تخطيط حياة الأسرة وما يحصّنها من التفكك.
وقد وضع الله سبحانه من الضوابط والأحكام ما يحيط الأسرة بدرعٍ واقٍ للحفاظ على استمرارها. حتى في حالة الاتهام الظني للأنثى من الزوج وضع شروط تقي المرأة الظنون وتحفظ للأسرة كيانها في قوله تعالى: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ ۖ) (النساء: 15)
مسؤولية الرجل قيادة الأسرة وتلك مسؤولية الرجل يتحمل قيادة الأسرة إلى بر الأمان على أساس الرحمة والمودة، دون تسلُّط واستبداد بل مشاركة مع الزوجة في كل ما يخص حياتهما الاجتماعية مع أطفالهما بالعدل والإحسان. وأن القوامة يقابلها مسؤولية الإنفاق والرعاية للزوجة والأبناء، ولذلك اقتضت حكمة الله عند توزيع الإرث أن يكون للذكرِ مثلُ حظ الأنثيين ليوائم مسئوليته بالإنفاق على الأسرة، وذلك لا يعني انتقاصًا من حقوق الأنثى.
وذلك فضل من الله على الزوجين ورحمة بهم في حماية الأسرة من التفكك وعدم الانسياق وراء التخرصات والظنون دون دليل لا يقبل الشك، كما ورد فيما سبق من آيات كريمة تقفل أبواب الطلاق والانفصال وتمنع تفكك الأسرة رعايةً للأطفال ورحمةً بهم.
التجاوب مع دعوة الرئيس السيسي لتصويب الخطاب الإسلامي والحمد لله وبفضله بدأنا في التجاوب مع نداء سيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي، في تصويب الخطاب الإسلامي والمتفق مع ما أنزله الله على رسوله من قرآن مبين، ليتحقق العدل بكل عناصره بين الناس، ويعم السلام المجتمع الإنساني لنشر المودة والرحمة فيما بين الزوجين، وبناء الأسرة على أساس من الاحترام المتبادل بينهما، لينعم الأطفال بالنمو في جو تسوده الألفة لرعاية الأبناء وتربيتهم التربية الصالحة ليؤدوا واجبهم الوطني، ويسخِّروا له ماتيسر لهم من العِلم والخبرة في مختلف المجالات للارتقاء بالوطن نحو الرفاهية والعيش الكريم، والدفاع عن سيادته وحمايته من كل ما يتهدده.
*كاتب المقال المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي باحث ومفكر إماراتي، مهتم بالشأن العربي وما آل إليه حال الأمة العربية. له العديد من الكتب والأبحاث التي تناولت دعوته إلى إحياء الخطاب الإلهي والتمسك بأن يكون القرآن الكريم هو الدستور والمرجعية الوحيدة للمسلمين.