وُقعت اتفاقية أوسلو، في 13 سبتمبر 1993، كأول اتفاقية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، برعاية أمريكية، وقد مثّل إسرائيل، آنذاك، وزير خارجيتها، شيمون بيريز، بينما مثّل منظمة التحرير الفلسطينية، الرئيس الراحل ياسر عرفات، بحضور الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون. سُميت الاتفاقية، أو المعاهدة بهذا الاسم، نسبة إلى مدينة أوسلو النرويجية، التي شهدت المحادثات السرية خلال عام 1990.
وأفرزت تلك الاتفاقية، التي حُرر نصها لاحقاً، عن عدة التزامات وتعهدات من كلا الجانبين، كان من نصيب منظمة التحرير الفلسطينية الالتزام بحق دولة إسرائيل في العيش بسلام، والوصول لحل كافة القضايا من خلال المفاوضات، كما نص على التزامها بإدانة العنف والإرهاب، وهو ما يتطلب تعديل بنود الميثاق الوطني الفلسطيني ليتماشى مع ذلك التعهد. أما على الجانب الإسرائيلي، فقد أصدر رئيس وزرائها، حينئذ، إسحق رابين، قرارات منها الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية، كممثل للشعب الفلسطيني، وبدء المفاوضات معها. ونصت الاتفاقية على إقامة سلطة حكم ذاتي انتقالي فلسطيني، عُرفت باسم “السلطة الفلسطينية”، مع انتخاب مجلس تشريعي، للضفة الغربية وقطاع غزة، لمدة خمس سنوات. كما نصت كذلك على شمول المفاوضات لكافة المشاكل العالقة، ومنها القدس، واللاجئون، والمستوطنات، فضلاً عن الترتيبات الأمنية، ومشاكل الحدود.
وكالعادة، لاقت الاتفاقية ردود فعل متباينة؛ فبينما اعترفت بها حركة فتح، وتعهدت بتنفيذ بنودها، إذا باليسار واليمين الإسرائيلي يعارضها، مثله في ذلك وباقي المنظمات الفلسطينية كحماس، والجهاد الإسلامي، والجبهة الشعبية لتحرير الفلسطينيين، وغيرهم، رافضاً كل منهم الاعتراف بوجود الآخر، بل إن حركة حماس اعتبرت اتفاق أوسلو باطلاً، وأسمته “المشؤوم”، كونه أتاح للاحتلال الإسرائيلي اغتصاب 78% من الأراضي الفلسطينية، مما شّكل نواة للصراع بين حركتي فتح من ناحية، وحماس من الناحية الأخرى، بدعم من باقي حركات الجهاد الفلسطيني، حتى احتدم الصراع في مايو 2007، وانتهى بسيطرة حركة حماس على قطاع غزة منذ يونيو 2007، حتى يومنا هذا، ليزيد المشهد تعقيداً.
واضطلاعاً من مصر بدورها، كحجر زاوية المنطقة، وصمام أمانها، وإيماناً من إداراتها، على مر التاريخ، بالصالح الفلسطيني، وإدراكاً منها لما تمثله الفُرقة الفلسطينية من تحد، أو “حجة” ينقض عليها الكيان الإسرائيلي، كذريعة للتلكؤ في الوفاء بالتزاماته وتعهداته، أو حتى إسقاطها كلياً، بدعوى عدم وجود مُمثل للشعب الفلسطيني، وهو ما حدث في الواقع، إذ كانت الدول والمنظمات، المهتمة بالشأن الفلسطيني، تتساءل، دوماً، عمن يمثل الشعب الفلسطيني، عند التفاوض بشأن أمر ما، هل السلطة في الضفة الغربية، أم حماس في غزة، وما الضمانات لتنفيذ ما يتم التوصل إليه من نتائج، في ظل اعتبار كل طرف منهما ممثلاً عن جزء من الشعب الفلسطيني، وغير معترف بمفاوضات الطرف الآخر.
ولهذا، فقد حاولت مصر، مراراً وتكراراً، خلال السنوات الماضية، رأب الصدع، والوصول إلى مصالحة فلسطينية، سواء بدعوة كل طرف على حدة، أو بجمع الأطراف، في مرات عديدة، لتوحيد صفهما، وإنهاء حالة الخلاف، والاتهامات المتبادلة بينهما، وكانت المباحثات تنتهي، عادة، بإعلان الأطراف التوصل إلى اتفاق للمصالحة والاندماج في سلطة موحدة، ولكن بعد العودة إلى أرضهم، تتبخر الوعود، وتعود الأمور لما كانت عليه، وهو الانشقاق.
ولكي تأجج إسرائيل من الانشقاق داخل الأسرة الفلسطينية، بما يخدم مصالحها، سارعت لمساندة حماس في معارضتها للسلطة الفلسطينية الكائنة في رام الله، بالضفة الغربية. ولعل أبسط صور المساندة، كان سماحها للطيران القطري بالهبوط في مطار بن جوريون، في تل أبيب، حاملاً الدعم المالي، الشهري، إلى غزة، بمبلغ 30 مليون دولار، يتسلمها مندوب قطر لدى إسرائيل، لتتحرك، بعدها، عربات الأموال، تحت حراسة قوات الجيش الإسرائيلي، إلى غزة، لتسليمها عداً ونقداً، لقادة حماس، التي تستخدمها في دفع رواتب أفرادها، وفي الإنفاق على أهالي قطاع غزة، لضمان ولاءهم لسلطة حماس. علماً بأن عناصر حماس، وتابعيها، في غزة، لا يزيد عددهم عن 60 ألف فلسطيني، من أصل ما يزيد عن مليون ونصف المليون نسمة، ممن لا يتبعون حماس، ولكنهم في حاجة إلى المساعدات المالية، التي تسيطر عليها المنظمة.
وظل الدعم الإسرائيلي، الكامل، لمنظمة حماس مستمراً منذ يونيو 2007، وحتى السادس من أكتوبر 2023، أي قبل يوم من الهجوم العسكري الذي شنته حماس على إسرائيل، وحققت به نجاحاً نوعياً، ضد الجيش الإسرائيلي، والاستخبارات الإسرائيلية بفرعيها؛ الموساد والشاباك، ووضعتهم جميعاً في موقف ضعف، بأن أفقدت الجيش الإسرائيلي سمعته بأنه الجيش الذي لا يقهر، وأظهرت فشل المخابرات الإسرائيلية في توقع الهجوم الحمساوي. وعندما تنتهي الحرب، وتبدأ التحقيقات الإسرائيلية للوقوف على جهات، وأسباب، القصور، مثلما حدث عندما تشكلت “لجنة أجرانات” في أعقاب هزيمة إسرائيل في حرب 73، ستتكشف العديد من الأخطاء، ومواطن العجز، التي وقع فيها الجيش والمخابرات الإسرائيلية.
وفي العموم، يمكننا توثيق يوم السابع من أكتوبر 2023، بأنه بداية نهاية “شهر العسل”، الطويل، بين إسرائيل وحركة حماس، أو هكذا يبدو لنا، إذ أصبح بنيامين نتنياهو يُصرح بأن حماس هي العدو الرئيسي لإسرائيل، وأن القضاء عليها هو الهدف الثاني، بعد استعادة رهائنه لديها، بالقضاء على قياداتها، وأولهم يحيى السنوار، الذي أذاق إسرائيل، خلال الفترة الماضية، مرارة الألم والهوان، وصار مطلوباً، حياً أو ميتاً. وهكذا تحولت حماس من صديق إسرائيل بالأمس إلى عدوها اليوم، وربما غداً … وسبحان الله.