لا يفيذ تصنيف الخطابات و الاستراتيجيات كحبر على ورق أمام التحديات الإقتصادية الداخلية والعالمية. لأن إفراغ الشعوب من بذور الحياة وتحويله إلى صحراء قاحلة جرداء لا نبات فيها ولا ماء غير الأشواك والأعشاب الضارة التي تحتمي فيها الحشرات والحيوانات السامة، يؤرق استمرارية الحياة والبحث عن بديل ينقدهم من المناورات، فالقواعد الشعبية بحاجة إلى خطط تنفيذية وبرامج مرتبطة بجداول زمنية و مساءلة قانونية. إذ يجب الاستعانة بالكفاءات الحقيقية التي تحظى بمهارات وخبرات في مختلف المجالات الفكرية والعلمية و السياسية و الاقتصادية و الإجتماعية، من أجل بناء أسس متينة مقيدة بالقوانين الصارمة التي لا تسمح لأي شخص بالتجاوزات والخروقات مهما كان موقعه. لأن الطرق الملتوية و الرأي الأحادي هما السبب الرئيس في تأسيس استراتيجيات التحكم و استدراج الشعوب كأطراف مهمشة غير مؤهلة فكريا، بعيدة عن منظومة تدبير الشأن العام ، ليس لها الحق في العيش الكريم كباقي الفئة السياسية الميسورة. إذ تتمثل الخطط المهينة للشعوب في استراتيجية الإلهاء بالأمور التافهة بعيدا عن المشاكل الإجتماعية الحقيقية التي تؤرق الشعوب وتعاني من ويلاتها. و كذا خلق المشاكل وتوفير الحلول من أجل تمرير القوانين التي تخدم الفئة المدبرة على حساب حقوق الشعب المنصوص عليها في الدساتير المتهالكة، إذ يستعملون التدرج كآلية في سحب مجموعة من الحقوق و تعويضها بقوانين تسير و متطلبات الساسة، إضافة إلى تأجيل ما هو مهم من قرارات ديمقراطية منصفة، فتعثر نصوصها القانونية إلى أجل غير مسمى، هكذا يخاطبون العامة وكأنهم صبيان لا يملكون الحس النقدي في معالجة المشاكل. كما أنهم بارعون في استخدام الجانب العاطفي بدلا من الجانب التأملي من أجل التأثير على العقل الباطني، الغاية منه إبقاء العامة في حالة من الجهل والغباء بتدني مستوى جودة التعليم بين الطبقة الكادحة والفئة الغنية، لتبقى فجوة كبيرة بينهما في الوصول إلى أسرار تلك الفجوة والتدقيق في فحواها. كما يشجعون العامة على الرضاء بجهلهم وتحويل التمرد إلى الشعور بالذنب ما يؤدي الى الإكتئاب الحاد لدى الغالبية. هكذا يتمكنون من معرفة الأفراد أكثر ما يعرفون أنفسهم بفضل علوم الاحياء و الأعصاب وعلم النفس التطبيقي. هكذا في بعض الأحيان يتم تقديم قرابين إلى العدالة من رجال السياسة و الأعمال من أجل خلق جدل شعبي، وقتها يتم تمرير القرارات و الصفقات المشبوهة، بينما يظل السواد الأعظم في غيبوبته و سباته العميق، يتلهفون من أجل متابعة أحداث المسرحية التي تدار في الكواليس وراء الستار.