اليهودي الصالح
بقلم : محمد عتابي
بموازاة عدوانها الهمجى على غزة، تخوض إسرائيل حربًا كلامية ليس فقط ضد غالبية شعوب العالم الرافضة للمجازر والتدمير الممنهج والسياسات العنصرية
والعقاب الجماعى بحق الفلسطينيين، بل أيضًا ضد يهود يطالبون بوقف إطلاق النار ويتهمون حكومة نتنياهو بارتكاب جرائم حرب وينظمون المظاهرات والاحتجاجات فى عواصم الغرب تضامنًا مع الفلسطينيين.
يهود كارهون لأنفسهم، سُذج جرى تضليلهم، أشرار، أقلية هامشية، معادون للسامية.. هذه عينة من الاتهامات والشتائم التى تلصقها الدعاية الإسرائيلية بمجموعات متزايدة من اليهود خارج إسرائيل لأنهم تجرأوا وخرجوا على الخط الرسمى للحكومة الإسرائيلية.
المنظمات المؤيدة لإسرائيل فى الغرب لا تألو جهدًا لتشويه سمعتهم والسعى لدى الحكومات الغربية لمعاقبتهم سواء بالاعتقال أو الفصل من العمل.
إنها مكارثية أخرى تماثل ما حدث فى أمريكا خلال خمسينيات القرن الماضى عندما جرى مطاردة أصحاب الآراء التقدمية ودعاة السلام بتهمة الشيوعية والتعامل مع الاتحاد السوفييتى.
المفارقة الصادمة أن حكومات الغرب تتبنى وجهات نظر إسرائيل ومؤيديها وتعامل أصحاب هذه الآراء باعتبارهم خطرًا على الأمن والاستقرار.
البيت الأبيض استضاف مؤخرًا مائدة مستديرة حول مناهضة معاداة السامية، والتى يقول إنها تصاعدت بعد حرب غزة لكنه رفض دعوة منظمات يهودية تنتقد سياسات إسرائيل، أى أنه وضعها فى خانة المعادين للسامية.
منظمات مثل الصوت اليهودى من أجل السلام و«جى ستريت» و«إذا لم يكن الآن» وغيرها جرى وضعها فى القائمة السوداء التى تستهدفها إسرائيل ومؤيدوها. ميريديث ويزل، المديرة الإقليمية لرابطة مكافحة التشهير بواشنطن،
وصفت هذه المنظمات بأنها أقلية هامشية. وقالت: «لنكن واضحين.. معاداة الصهيونية هى معاداة للسامية». الصهيونية تلك الحركة القومية المتطرفة التى ظهرت نهاية القرن 19 لإنشاء وطن قومى لليهود فى فلسطين، أصبح يتم مساواتها بالدين اليهودى.
لا يتوقف الأمر عند ذلك الاتهام بل هناك وصف آخر مقيت.. يهودى كاره نفسه، ذلك المصطلح الذى صكه الفيلسوف اليهودى الألمانى تيودور ليسينج عام 1930 فى كتاب عنوانه: «الكراهية الذاتية لليهود»،
زعم فيه وجود ميل متزايد بين المثقفين اليهود للتحريض على معاداة السامية. الوصف يستهدف حاليًّا ازدراء من لهم آراء مختلفة عن رؤية إسرائيل للصراع مع الفلسطينيين والعرب. إنهم يهود أشرار، فى وصف آخر، لا يعملون لمصلحة دولتهم وديانتهم. وفى المقابل هناك اليهود الطيبون الذين يسيرون دون نقاش وراء ما تقوله حكومة إسرائيل.
ورغم هذا التشوية ومحاولات الاحتقار والتنغيص على حياتهم، لا تتوقف تلك الأصوات اليهودية عن انتقاد إسرائيل والخروج فى مظاهرات شعارها:« ليس باسمنا»
رافضة تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم. فى نيويورك، الموطن الأكبر لليهود خارج إسرائيل (2 مليون نسمة)، يتم تنظيم احتجاجات ولقاءات يحذر فيها المشاركون
، وهم من النخبة اليهودية المثقفة بالمدينة، من أن إسرائيل ترتكب نفس خطأ أمريكا فى العراق وأفغانستان وجوانتانامو، ويجادلون بأنه مهما حدث من حماس فى 7 أكتوبر الماضى،
فإن ذلك لا يعطى إسرائيل حق ارتكاب جرائم ترقى لمستوى التطهير العرقى. ويضيفون: «المدنيون الغزاويون يريدون نفس ما نريده.. ما نقوله ليس وجهة نظر بل الإنسانية بحد ذاتها».
أصوات يهودية مماثلة تخرج فى بقية المدن الأمريكية والأوروبية مرددة: ما ترتكبه إسرائيل فى غزة «ليس باسمنا». لكن ما يجرى فى ألمانيا بالذات ضد من ينتقد إسرائيل وبصفة خاصة من اليهود فاق التصور.
علماء وكتاب وفنانون يهود وصفوا حملة القمع التى تشنها السلطات الألمانية بغير المسبوقة. تهمة معاداة السامية يتم استخدامها لإسكات التضامن مع الفلسطينيين.
كل التجمعات المؤيدة لهم محظورة. أودى زاز، الأكاديمية الإسرائيلية المقيمة بألمانيا منذ 10 سنوات، والتى تعمل فى المتحف اليهودى ببرلين، حالة نموذجية. انتقدت العدوان على غزة ووصفت إسرائيل بأنها دولة فصل عنصرى، فجرى طردها من وظيفتها فى 25 أكتوبر الماضى.