الأدب هو الكلام البليغ الذي يؤثر فى المتلقى سواء كان شعراً أو نثراً أو قصة او رواية . وكانت العرب فى الجاهلية يطلقون على الطعام الذى يدعون إليه الناس مأدبة ثم تحوّل المقصود بكلمة الأدب إلى مكارم الأخلاق عملاً بما جاء فى الحديث النبوى الشريف : أدبنى ربّى فأحسن تأديبى وقد تطوّر مفهوم الأدب فى العصر الأموى إلى التعليم فكان المُؤدِّب يقوم بتعليم الشّعر والخطابة وأخبار العرب وأنسابهم وفى العصر العباسى ألّف (ابن المقفع) رسالتيه الأدب الكبير والأدب الصغير وهما رسالتان تحتويان على العديد من الحكم والنصائح الأخلاقية الراقية وذلك يعنى فى دلالته بأن مفهوم الأدب يشمل التهذيب والتعليم . ولقد أُطلق على مجموعة من الكتب فى ذلك الوقت كتب الأدب ومنها : البيان والتبيين للجاحظ الكامل فى اللغة والأدب للمبرد والعقد الفريد لابن عبد ربه . وفي العصر الحديث أصبح مفهوم الأدب يدلّ على معنيين اثنين : – الأوّل بمعناه الشامل والعام الذى يدرج جميع ما يُكتَب فى اللغة من العلوم والآداب تحت مفهوم الأدب . – الثانى معنى خاص ويُقصد به أنّه لا بدّ أن يكون الكلام ذا معنى ويتّصف بالجمال . ولكى يكون التّأثير أدباً لابد وأن يشمل العديد من أساليب الكتابة كالشعر والنثر والمسرح والرواية والقصة والأمثال وحتى السيرة الذاتية والرحلات . وفى هذا يكون للعمل الأدبى شروطه التى تشمل كلاً من الشعور والتعبير والإيحاء وهو مايفسر على أنّ الأدب تعبير عن تجربة شعورية فى صورة موحية إذ لا يُمكن اعتبار الكثير من الكتب العلمية أو التّاريخية أو أي كتب مدوّنة تدويناً جميلاً على أنّها صنف من أصناف الأدب . لأن الأدب هو مايُعبّر عن تجربة شعورية شخصية للكاتب تحتوى إحساسه وانفعالاته الشخصية وهى التجربة التى ينقلها المؤلف عبر الكتابة والتعبير عن هذه الانفعالات والأحاسيس فى صور لفظيّة ذات دلالة لغوية . ولأن الأدب فى حقيقته فن تعبيرى يعبر به الإنسان عمّا يجول فى خاطره من مشاعر وأفكار وخواطر وقضايا بأسلوب فنى يتميّز عن الكلام العادى فى تركيبه وفى صياغته وجماليته وكذلك فى إيحاءاته . وكلّما كان أسلوب التصوير لدى المؤلّف فى عرض أفكاره وأحاسيسه إيحائيّة كلما كانت مؤثرة فى نفس المتلقى وبهذا يتميز الأدب عن الكتابة العلميّة البحتة التى تحتوى على الحقائق والنظريات كما هي دون أن تنقل تجربة إنسانية انفعالية . ولأن فى الأدب أيضاً انعكاس لصورة الواقع والإضافة إليه في تجاوز تحليله للواقع المعاش وإضافة القيمة إليه من خلال تقديم نماذج متباينة لآليات التفكير على صعيد الفرد والتى تنسحب فيما بعد على المجتمع ككل حتى يعادل أعلى فرص المعرفة و التعليم فى اتاحة فرصة التعرف على العالم خارج الإطار المفروض على الفرد ليحظى بفرصة محاكمة الأشياء من خلال منظوره الشخصى للحياة . كما يقدِّم الأدب المتعة العميقة فى إغناء الحياة على الصعيدين المعنوى والروحى وإضفاء المعنى الشامل الذي يتجاوز التفاصيل اليومية من خلال استعادة قصص التاريخ والملاحم والكتب المقدسة والأعمال الروائية أو المسرحية الكلاسيكية القديمة منها والحديثة فى إطار الشكل الأدبى الذى يتضمن الإبداع فى اللغة والثقافة وفى معرفة الحدث . وقد خلّد التاريخ أعمالاً أدبية كثيرة ومنها أعمال (شكسبير) مثلاً وأعمال الكاتب الروسى (ليو تولستوى) التى كانت المرشد الوجداني للمثل والقيم الإنسانية التي تتيح من خلالها للإنسان أن يفهم حياته وحياة الآخرين كما تتيح له الفرصة لإلقاء النظرة العميقة على دراسة وجوه الحياة المختلفة وقصص (نيقولاى غوغول) ليكون الأدب قادراً على تغيير رؤية الإنسان للحياة من خلال أعمال الأدباء وإنجازاتهم القيّمة التى تساهم فى الارتقاء بثقافة ومفاهيم المجتمع . ولأن الأدب مرآة الزمان والمكان فإن نتاج ما كتبه ويكتبه المؤرخون يكون فى الغالب من باب القوة السياسية الحاكمة وتوجهاتها . ولكن الأدب يختلف على اعتبار أنه المرجع الأصدق والأغنى بمعرفة أحوال الناس وشؤونهم فى مرحلة زمنية ما فيبقى محتوى الأدب أبعد من مضمونه الأدبي المرتبط بمعانى الكلمات وجمالية التعبير والصياغة لأن فيه الأسس التى تغنى الحياة وتضيف إليها توضيح هدف وجودها . وإذا كان الأدب يضيف للحياة فهو ما تخشاه فئة كبيرة من المجتمع وترى فيه تهديداً لبنية ولمنظومة الأفكار التى يمكن أن تكتسبها الأجيال فى طور نموها . لأن ترجمة هذه المخاوف من خلال الأدب تعنى التمييز أو الفصل بين الأدب الحقيقى وبين الكتب التى تتخذ مسارات مسطّحة تهدف إلى التسلية السطحية فى مخاطبة العاطفة وحدها وبعيداً عن ارتباطها بواقع الإنسان كالروايات الرومانسية وغيرها من الكتب التى يقتصر دورها على (دغدغة) المشاعر والحواس والغرائز بعيداً عن الهدف الإنساني للأدب المتمثل فى استنهاض قِيَم المروءة والشجاعة والحكمة والإيثار والقدرة على اختراق المظهر الخارجى للشخصيات وتحليل الصراع الداخلى (المونولوج) لتعيشه بين العاطفة والعقل من جهة وبين قناعاتها والمحيط الخارجى من جهة أخرى . وفى هذا الإطار فإن أدب الخيال يتجاوز بشخصياته – الأسطورية أو الخرافية – فى حقيقتها فيظهر مصاصى الدماء بأنهم ليسوا مجرد وحوش مخيفة لأنهم يمثلون شريحة طفيلية من البشر تتصف بالأنانية وبالفساد وبرفض احترام كينونة الآخرين . ولم تكن شخصية (فرانكشتاين) مثلاً سوى حصيلة تجارب عالم دفعه الغرور إلى اختراع ما لا يقدر على مواجهته أو احتوائه . وكذلك هناك – فى الأدب – أبطال تحوّلت مساراتهم من النضال الذى بدأ فى سبيل الوطن إلى جشعٍ فى السلطة والنفوذ وصاروا وبالاً على أمتهم بعدما كانوا من حُماتها كما كانو يدعون . وكم أدانت المجتمعات – دون رحمة – العديد من الخاطئين الذين دفعهم طيشهم اللحظي أو قسوة ظروفهم لارتكاب ما يخالف نواميسهم التى تربوا عليها فكان دور الأدب فى رسم الصورة المتكاملة للحالة التي لم يكن الخاطئون فيها سوى ضحايا لمنظومة المجتمعات المحمّلة بالكثير من الخطايا التى تفوق ما أدين به أحد من هؤلاء !!. ويمكن للأسرة أن تزرع فى أبنائها حبّ الأدب لتحفيز أبنائهم على القراءة وتوضيح أهمية الأدب الذى قد لا يستوعبون قيمته ومنظوره الأوسع . وحين نقرأ قطعة أدبية فإننا نقرأ تجاربَ حياتية من خلال منظور شخص آخر وبذلك يتاح لنا معرفة وجه لم نكن نعرفه عن الحياة . تماماً كمشاهدة فيلمٍ سينمائي عن ظروف مجتمع آخر له قصصه وأفكاره المختلفة عن عالمنا الذي نحن فيه . والكتاب الجيد يجعل الفرد ينطلق للتفكير خارج حدود عقله وتجاربه ويجعله يتعاطف مع الناس الذين خاضوا تجارب لم يكن يعرف عنها والتى تُعلِمُه عن أشياء لم يكن ليدرك وجودها أو التعرف عليها بعيداً عن الأعمال الأدبية العظيمة التي تم إبداعها بصورة جيدة فتمنحه الفرصة للشعور بمشاعر الشخصيات التى تصفها وتتيح له اختبار الأفكار التى تطرح فى عالم أدب الخيال . ومن خلال هذا العالم (الأدب) يمكن التعرّف على معنى أن يكون الطفل فقيراً أو يتيماً أو محروماً من حقوقه فى التعليم أو مسؤولاً عن توفير القوت اليومى لأسرته . ويمكن من خلال الأدب الدخول إلى التاريخ بصورةٍ شخصيةٍ ومكثفة لأن قصص التاريخ تحكي أحداثاً يتمكن الفرد المتلقى من خلالها أن يعرف ماهية الشعور فى أن يكون وسط معارك شهيرة أو مجاعة أو فى زمن ركودٍ اقتصادى أو زمنٍ مزدهر وأن يواكب المعاناة الحقيقية فى زمن الحروب . إنه الأدب .