يوما بعد يوم تتكشف خيوط الكارثة فى مدن الشرق الليبيطى إذ قسمت السيول التى تدفقت فى وادى درنة المدينة إلى نصفين حتى غابت ملامحها مما دفع بعض المسؤولين الليبيين إلى القول إنها لم تعد صالحة للسكن.
جغرافية المكان ومعالم المدينة المتضررة تغيرتا بالكامل فقد اختفت أحياء بأكملها بعد انهيار المنازل والخدمات والبنية التحتية ما أجبر الناجين من الأهالي على الاندفاع نحو نزوح جماعى إلى مناطق آمنة.
فى غضون ذلك بدأت تظهر ملامح الخسائر الاقتصادية الكارثية حيث جاء قطاع البناء والبنية التحتية فى المقدمة على وقع انهيار آلاف المنازل والمنشآت ثم تلا ذلك القطاع الزراعى والثروة الحيوانية من خلال تجريف مساحات شاسعة من الأراضى. كذلك كان لممتلكات المواطنين من سيارات ومتاجر وغيرها نصيب كبير من المأساة.
رسميا أقر البرلمان الليبى ميزانية طوارئ بقيمة تعادل 2 مليار دولار للمناطق المنكوبة كما خصصت السلطات الليبية مبلغ 446 مليون دولار لصالح صندوق إعمار مدينتى بنغازى ودرنة.فى حين أن اليونان التى اجتاحها دانيال قبل ليبيا وخلف فيها 15 قتيلا كما ألحق أضرارا بالبنية التحتية قام الاتحاد الأوروبى بتقديم مساعدات عاجلة بقيمة 2.25 مليار يورو لمواجهة تداعيات العاصفة ولربما هذا الرقم يوحي بحجم الدعم الذى ستحتاجه ليبيا لمواجهة تداعيات الدمار، إذ يتوقع المراقبون أن تصل حجم الخسائر الاقتصادية إلى حوالى 7 مليارات دولار.
فاتورة ثقيلة من الأرواح البشرية وفاتورة أثقل من الخسائر الاقتصادية التى لا تزال السلطات الليبية فى مرحلة إحصائها.
وفى سياق متصل قالت مارى الدريس الأمينة العامة للهلال الأحمر الليبى لوكالة الأسوشيتد برس الخميس إن عدد القتلى ارتفع إلى 11300 مع استمرار جهود البحث.
وقالت إنه تم الإبلاغ عن فقدان 10100 آخرين. كانت السلطات الصحية قد قدرت فى وقت سابق عدد القتلى فى درنة بنحو 5500 شخص.يأتى ذلك فيما أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن حزنه العميق إزاء التأثير الشديد للعاصفة والفيضانات اللاحقة التى ضربت الأجزاء الشرقية من ليبيا.
كما قال وزير الصحة فى الحكومة الليبية المكلفة عثمان عبد الجليل إن الأوضاع فى درنة تزداد مأساوية ولا توجد إحصاءات نهائية لأعداد الضحايا.. كثير من الأحياء لم نتمكن من الوصول إليها وأتوقع ارتفاع عدد الوفيات إلى 10 آلاف
لكن المشاهد القادمة من مدن الجبل الأخضر يمكن أن تعطي صورة عن حجم الكارثة إذ تقول التقديرات الأولية إن أكثر من ثلاثين ألف منزل تضررت بفعل السيول ثلثها دُمر بشكل كامل إضافة إلى انهيار عدد من الجسور ودمار مساحات كبيرة من الأراضى الزراعية وفقدان آلاف رؤوس المواشى.
قبل الكارثة كان الاقتصاد الليبى يعانى بشكل كبير من تداعيات صراع مسلح امتد لأكثر من عقد تسبب هذا الصراع فى تراجع إنتاج النفط؛ المصدر الرئيسى لإيرادات الموازنة وأصبح ما يقرب من ثلث السكان الليبيين يعيشون تحت خط الفقر كما سجل الاقتصاد الليبى انكماشا في العام الماضى بنسبة 12 بالمئة.
ومؤخرا ظهرت بعض المؤشرات الإيجابية الجديدة والمتمثلة فى ارتفاع إنتاج النفط إلى مستويات قياسية وتوحيد مصرف ليبيا المركزى لكن هل ستكون هذه المؤشرات كافية لتخفيف وطأة هذه الأزمة على الاقتصاد الليبى أم أن حجم الكارثة يحتاج ما أهو أكثر من ذلك بكثير؟