كذب المدعون وافترى الظالمون، فالتكليف للرسول حمل رسالة الإسلام وتبليغها للناس جميعا، تضمنتها الآيات فى القرآن الكريم، ولَم يكلف الله رسوله إضافة على كتابه، ولم يمنحه الله الحق فى تحديد أحكام يقررها الرسول فى الحلال والحرام، وقد سمي رسول الله ليبلغ رسالته للناس ويشرح لهم حكمة الآيات ومقاصدها لمنفعة الناس وخيرهم، ولم يعطى الله رسوله حق التشريع حيث يقول سبحانه: «كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ (2)» (الأعراف)، ثم حدد له التكليف بوضوح بقوله سبحانه « يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ» (المائدة-67 ) ومنع الله عباده جميعا أنبياء وعلماء ورسلا إطلاق أحكام باجتهاداتهم تتعارض مع الأحكام الالهية آيات القرآن، فى قوله سبحانه: «وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116)» (النحل). فمن أين جاءوا بتلك الفرية، واتحداهم إذا وجدوا فى كتاب الله تخويلا للرسول بإطلاق الأحكام والتشريع، فاختص الله لنفسه سبحانه التشريع للناس، وأحكمت آياته وتجلت تشريعاته حكمة ونورا، وكلف الرسول بايصال رسالته للناس . إن أولئك المجرمين إستغلوا تلك الفرية ليفتحوا أبوابا ليكذبوا على الرسول برواياتهم المزورة، ويشوهوا صورته الطاهرة بأقوال وشبهات عاهرة، وكم جعلت الروايات المسلمين فى حروب جائرة، وفرقتهم إلى فرق وطوائف ماكرة، يسفكون دماءهم، وتساقط الناس صرعى فى معارك خاسرة . ذلك ما سببته الروايات المفتراة على الرسول وعلى المسلمين وخلفت فى النفوس جروحا غائرة ، لأنهم لم يتبعوا ما بلغهم به رسول الله بقوله: «اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ (3)» (الأعراف)، ولو أن المفترون من شيوخ الدين وناقلي الروايات وأصحاب المذاهب لديهم خوف من الله وتدبروا فى آياته وفهموا تحذيراته وارشاداته لعباده وتبين لهم عذابه فى كل من يفتري على الله ورسوله من روايات كاذبة، لما تجرأوا على الإقدام بتشويه الإسلام وما يدعو إليه من رحمة وعدل وتسامح وإحسان، ويوم يرون أعمالهم السوداء فى يوم الحساب، فلا مفر من العقاب ولن يشفع لهم أصحاب كتب الصحاح، ومرجعيات الإجرام وأئمة المذاهب لدى فريق السنة بمذاهبهم وطوائفهم وفريق الشيعة بأئمتهم وعقائدهم وطقوسهم المختلفة حسب كل فرقة، حيث يخاطبهم الله يوم القيامة بقوله: «وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي ۗ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا (29) وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (30)» (الفرقان). حين هجروا القرآن سول لهم الشيطان أعمالهم، وألفوا روايات وأكاذيب افتروها على رسول الله، ولو تفكروا فى كتاب الله سيتبين لهم مهمة الرسول عليه السلام، ليبلغ الناس رسالة الإسلام، والرسول مؤتمن على الأمانة المكلف بها، ولذلك اختار الله سبحانه محمد عليه السلام الذى طهر شخصيته من الهوى وحب الدنيا وحفظ الأمانة ، فهيأه سبحانه ليكون على قدر المسئولية العظيمة، التى كلفه الله بحملها للناس جميعا فيا ويل من افترى على الله ورسوله ويا ويل من ألف روايات الزور بأقواله، حين يرى يوم القيامة سواد أعماله ، ويلقى فى جهنم، ويتبين له سوء أفعاله ويعيش يوما عسيرا بكل أهواله، جزاء لهم بما اقترفت عقولهم وأقلامهم من التحريف والافتراءات على الله وأنبيائه.