أكد الكاتب والسيناريست محمد الباسوسي أن مسرحية سيدتى يجسد جمال الأسطورة فكر برناردشو .. أفكار توفيق الحكيم، رؤية المخرج الدراماتورجى / محسن رزق .. وإبداع مغاير بأداء النجوم داليا ونضال وفريد وكل الشباب الذين تم إختيارهم بعناية شديدة .
أضاف يجب أن أعترف فى البداية أننى كنت مترددا وبشدة فى الذهاب لرؤية مسرحية ( سيدتى أنا ) لعدة عناصر أهمها أن أسطورة بجماليون كانت من أحب الأساطير التى جعلتنى أهوى حرية الفكر والإبداع .. وكانت الأسئلة بذهنى ماذا سيقدم صُناع المسرحية الجديدة فى القرن الواحد والعشرين ؟؟ هل من جديد ؟ أم أنه سيكون عملا منقولا لما قدمه فؤاد المهندس وشويكار ومن كتابة وتمصير بهجت قمر .. ولكن بإحساس شيطان الفن الذى يكمن بداخلى توقعت أننى سوف أرى عملاً يحاكى كل الأفكار المطروحة وبالذات حينما رايت بوستر المسرحية وإختيار أبطال هذا العرض المسرحى .. إنه إختيار غير متوقع لأبطال مسرحية وأزعم أننى لم أرى النجمة داليا البحيرى والنجم نضال الشافعى على خشبة المسرح وفى رواية تبدو فى أجزاءها الأولى كوميدية .
أما النجم فريد النقراشى فأعرف أنه استاذ فن التمثيل ولكن المسرح شىء آخر وهذا أحد الأسباب التى جعلتنى أفكر فى المشاهدة لأن من يقوم بتدريس التمثيل لايُشترط له أن يكون ممثلاً فى الواقع . وهذا ماسوف نتحدث عنه فى نهاية المقال .
يبدأ العرض المسرحى و الأحداث تدور بلندن وبأسماء إنجليزية وكأن المخرج صاحب النص يريد أن يخبرنا من البداية أنه يقدم نص مسرحى ليس له علاقة بما شاهدناه من قبل وهذا جعلنى أنتبه إلى شخصية الكاتب المخرج محسن رزق .. وكانت البداية موفقة لظهور أبطاله وسرد حكايات الشخصيات .
يجب أن نعرف الأسطورة الحقيقة لبجماليون ذلك النحات اليونانى الموهوب بنبض أعماله وكأنها تعيش بين الموجودين .. كانت تنبض بالحياة ولكنها بلا روح وهذا ماحدث مع تمثاله ( جالاتيا ) ولأنه كان يكرهه النساء بسبب نشأته او حياته بين العاهرات فكان لايرى فى المرأة إلا أنها مخلوق شقى وتعيس فقرر هو أن يصنع صورة للمرأة التى بخياله أو كما يتمناها هو .. إلى أن أحبها وتطور الحب لما صنعه إلى عشق لدرجة أنه تعامل معها كإمرأة تحيا معه وازداد شغفه بعشقها لدرجة أنه أصبح لايغادر المنزل من أجل البقاء معها .
2 .. هذا لم يغيب عن فكر صانع النص المسرحى الذى نراه الآن على خشبة المسرح القومى المصرى فى القرن الواحد والعشرين ..فبهرنا بإستخدامه للتكنولوجيا للمزج بين المسرح والسينما فى حلم الفتاة إليزا حينما تخيلت أنها سوف تصبح فتاة إرستقراطية.. ومما زاد إنتباهى أنه عرض لنا لقطات مصورة للفنان المفاجأة بالنسبة لى على خشبة المسرح ( نضال الشافعى ) دكتور هنرى عالم الصوتيات وهو ينحت تمثالا لإمرأة جميلة وهذا يؤكد على أنه يذكرنا بالأسطورة الحقيقية لبجماليون الذى تطور عشقه لجالاتيا بطلبه من ربة الحب آنذاك ( أفروديت ) أن تهب الروح والحياة لتمثاله المعشوق وإنتهت الأسطورة بزواج بجماليون من جالاتيا وهذا يؤكد على المعنى الحقيقى للأسطورة أننا حينما نحب نستطيع أن نبعث الحياة لمن نحبه ونعشقه .. وهذا ماتحقق فى مسرحية ( سيدتى أنا ) فى ذروة الأحداث ومواجهه هنرى ( نضال الشافعى ) بإليزا ( داليا البحيرى ) حينما رفضها بعد نجاحه للتحدى وتحويلها الى فتاة إرستقراطية فوضع المخرج فتاة تقف كالتمثال لاتتحرك اثناء وجود إليزا على المسرح وكأنه يصرخ فينا بتأكيد الأسطورة ولكن فى لوحة بديعة إستطاع أبطال المشهد سلب مشاعر الجماهير للتركيز فى الأداء المسرحى الذى يملأه الشجن ليؤكد لنا أن إختيار المخرج كان موفقاً جدا فى إختيار نجومه .. بل إستطاعت داليا البحيرى العمل باسلوب سينمائى فى التركيز على ردود افعالها أثناء حوارات الابطال مما كان يسعد الجماهير والتجاوب معها لدرجة ان سيدة من الجماهير كانت تتجاوب معها بشدة ومع نضال الشافعى فى كل السكنات والحركات .
..( جورج برنارد شو ) كتب بجماليون عام 1912 ولكنه لم ينهى المسرحية بزواج هنرى من إليزا بل جعلها تتسلط وتتمرد على الأستاذ الذى صنعها فتتركه لتتزوج من شاب فقير وكأنه هنا يؤكد على فكرة تمرد المخلوق على الخالق .
.. أما الكاتب المصرى ( توفيق الحكيم ) كتب ايضاً مسرحية بنفس العنوان ( بجماليون ) ولكنه إلتزم تقريبا بالأسطورة فى الجزء الاول إلى أن تحولت جالاتيا إلى إمرأة حقيقية لكن الحكيم جعل بجماليون يشك فى زوجته مع صديقه( نارسيس) فيطلب من الآلهة أن تعيدها إلى تمثال مرة أخرى ولكن الآلهة تعمل على إثبات براءتها فيرفض ويصمم على عودتها كتمثال لأنه لم يعد يرى فيها ماكان يتمناه بل أصبحت إمرأة ككل النساء وبالفعل تعود إلى تمثال وسرعان مايكتشف أنه لايستطيع الحياة بدونها ويحاول ان يطلب من الآلهة إعادتها للحياة مرة أخرى لكن الآلهة ترفض .. ويثور ويغضب وينفعل ويحطم التمثال ثم يموت من الحزن .
3
.. كل هذة الأفكار كانت امام صُناع الدراما الجديدة والتى ترجمها المخرج مع ابطاله الذين فاجئونى بأداء مسرحى مبهر يجمع بين خبراتهم السينمائية فى عالم الصورة وبين الأداء المسرحى بدون إفتعال معتاد من بعض نجوم المسرح .. ولابد أن نذكر جميع من إشترك بالتمثيل من الوجوه الشابه الواعدة الذين إستطاعوا أن يرسموا لنا حالة من البهجة ساعدت أبطال العمل على مزيد من الإبداع .
وهنا لابد أن نعود إلى الفنان القدير فريد النقراشى الذى فاجأنى بأداؤه الطبيعى الذى يحمل فى طياته الشجن.. فكان يضحكنا ويبكينا وبأداء رشيق يعيدنا مع النجمة داليا البحيرى التى تفوقت على نفسها امامه وبعلاقتها بالاب الذى تحبه وفى نفس الوقت تشعر انه سبب تعاستها .. ويتدخل فى هذة المنظومة المحترمة بالاداء الرشيق للمتمكن نضال الشافعى الذى لم يشعرنا اننا على خشبة مسرح بل جعلنا هو والنجمة داليا البحيرى أننا توحدنا تماما مع هذا المجتمع الانجليزى ومع الشخصيات التى جعلوها تعيش بيننا فبعد أن كنا جماهير كالتماثيل الجالسة أمامهم لنتابع الاحداث والاداء إلا أنهم إستطاعوا بعد لحظات ان يبثوا بداخلنا روح جميلة وحقيقة لنتوحد ونحب بل ونعشق ماقدموه لنا على خشبة المسرح القومى .