حقيقة أنني ربّما لم ألتقِ الرُّجلَ سوى مراتٍ قليلة، لكنّني كنت أعرفُ عنه الكثير، فهو واحد من أبرز مشايخ البلد بالوقف، فضلاً عن أنه والد زميل الدراسة؛ الصديق العزيز أشرف رشوان، تغمّده الله بواسع رحمته. في زيارتي الأخيرة لأشرف، خلال شهر فبراير الماضي، طلبتُ منه أن يمدّني (عبر الماسنجر) بالسيرة الذاتية لوالده الراحل، لأكتب عنه هنا، وما هي إلّا أيام حتى أرسل لي المعلومات الأساسية، كما وعدني، لكنّ القدر لم يُمهل صاحبي ليقرأ تلك السطور عن والده الكريم… رحم الله الجميع. ينتمي الراحل محمد مصطفى رشوان مصطفى، (وشهرته الشيخ عبده فهمي)، لواحد من أعرق بيوتات ناحية الهداورة بمركز الوقف، وكان من الشخصيات التي لها وزنها ووضعها الاجتماعي المتميز على مستوى المركز. وُلد الشيخ الراحل عام 1942، ونال شهادة القبول (الابتدائية الآن)، وحصل على المركز الأول بها على مستوى مركز دشنا، وكان ترتيبه السادس على المحافظة، وفي ذلك الوقت كان لا بدّ لمن يريد أن يلتحق بدار المعلمين أن يكون حاصلاً على “الابتدائية”. كان “الشاب محمد” من عشّاق مادة الرياضيات، وتمنّى دخول كلية الهندسة ليصبح مهندساً، لكنّ والده رغب في اكتفاء ابنه بـ “الابتدائية”، لمشاركة أخيه في الإشراف على الأراضي الزراعية التي تمتلكها العائلة. نشأ الشيخ عبده في بيت عريق؛ فجدّه من ناحية الأب والأم العمدة إبراهيم بهيج، ووالده شيخ مشايخ الوقف وقتها؛ الشيخ مصطفى رشوان مصطفى محمود، وعمّه الشيخ حسن أحمد عبدالحليم، (وهو أخو والده من ناحية الأم)، وكان شيخ مشايخ الوقف أيضاً. *** ساهمت سمعة الشيخ وعلاقاته الطيبة بكلّ مكونات العائلة والنواحي المجاورة في تولّى الرجل شياخة ناحية الهداورة بالتزكية وهو في الثلاثينيات من عمره، وبعد 10 سنوات أصبح شيخ مشايخ الوقف، وكان الرجلُ يمتاز بالجود والكرم والسماحة والتواضع مع الصغير والكبير. تولّى الشيخ عبده فهمي – بصفته عميد العائلة – رئاسة مجلس إدارة جمعية آل هدوار الخيرية، وظلّ يحثّ عائلته دوماً على التبرّع لأعمال الخير، وكان قدوةً لهم في ذلك، حيث إن آخر شيء فعله قبل وفاته بقليل هو التبرّع بقطعة أرض لتكون طريقاً لـ “كَسْر القصب” لجميع مزارعي مركز الوقف. حصل الشيخ عبده على شهادات تقدير من وزارة الداخلية؛ نظراً لمساهماته المثمرة في فضّ كثير من المنازعات والمشاكل، حيث كان عضواً في لجنة المصالحات بمركز الوقف، بل وعلى مستوى محافظة قنا، كما كرّمته وزارة الزراعة ومصانع شركة السكر بنجع حمادي، نظراً لجودة إنتاجه من محصول قصب السكر. *** انضم محمد مصطفى رشوان إلى القوات المسلحة، جندياً في سلاح المشاة بالجيش الثاني الميداني، وشارك في حرب الاستنزاف، وكان من أوائل الذين عبروا قناة السويس غداة حرب أكتوبر المجيدة، وقد حصل على شهادة من الجيش المصري بذلك، كما كان من ضمن المحاصَرين في ثغرة الدفرسوار.
*** أكرم الله الشيخ عبده بخمسة من الأبناء؛ ثلاثة أولاد وبنتين؛ الأكبر أشرف (يرحمه الله)، كان رئيساً لقسم الجودة والتدريب والاعتماد التربوي بإدارة الوقف التعليمية، ومدرّباً عاماً بالأكاديمية المهنية للمعلمين، ورئيس فريق المراجعين لضمان جودة التعليم. والأوسط مصطفى (بكالوريوس تجارة/ جامعة عين شمس)، ويعمل مديراً لإدارة الاستحقاقات بالشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي. والأصغر معتز (بكالوريوس تربية رياضيات/ جامعة عين شمس)، ويعمل معلماً للرياضيات بدولة الإمارات. *** كانت وفاة الشيخ (عن 78 عاماً) في خير أيام العام، وهي العشر الأوائل من شهر ذي الحجة، حيث لقي ربّه يوم الاثنين 27/ 7/ 2020، الموافق للسابع من ذي الحجة، وكانت شهادة التوحيد آخر ما تلفّظ به، حيث ردّدها 3 مرات، وهذا دليل على حُسن الخاتمة بإذن الله، وقد أثنى عليه وكيل وزارة الأوقاف الأسبق، الشيخ محمد أبوزيد، بارك الله في عمره، حيث شهد له بأنه عاش طوال عمره في قضاء مصالح الناس والإصلاح بينهم.
كان رمزا من رموز مركز الوقف ، بمحافظة قنا ، ومشهود له من الجميع بفعل الخير للجميع ، رحمه الله ، رحل عنا جسده ، ولكن اعماله في الخير موجودة ، وسوف يتم ذكره علي مر التاريخ ، رجل الخير ، رجل البر ، رجل التقوي ، اللهم اغفر له وارحمه رحمة واسعة وادخله الفردوس الاعلى يارب العالمين .