اسمحوا لنا أن نصحبكم معنا في ذاك الصخب المصري الخاص؛ نتعرض فيه للحياة المصرية في صفحات الموالد.
من بين ما تختص به مصرنا عن غيرها من البلدان والشعوب ” الموالد الشعبية ” تلك المناسبات التي يقيمها المصريون احتفالًا بمولد أو وفاة أولياء الله الصالحين، ورموزهم الدينية الخالدة، تكريمًا واجلالًا لهم.
ولعل من المميز جدًا في مصر، أن تلك الموالد الشعبية لا تقتصر على المسلمين وحدهم بل وتقام موالد كثيرة لرموز دين مسيحية.
يقول نيكولاس بيخمان الذي كان سفيرًا لهولندا في مصر في كتابه الأشهر “الموالد والتصوف في مصر”
” إن الموالد في مصر لا تقتصر على ديانة واحدة، وإنما تذوب في الموالد كل الأديان.. فالمسيحي يحرص على زيارة أولياء الله المسلمين والمسلم يزور القديسين “
ويرصد بيخمان أشهر الموالد والأضرحة في مصر، منها للمسلمين موالد “السيدة زينب والحسين والسيد البدوي وإبراهيم الدسوقي وعبد الرحيم القناوي”..
ويرصد للمسيحيين موافد العذراء، مولد القديس مارجرجس والتي تقام في أكثر من مولد لنفس القديس ، والحقيقة أن الموالد الشعبية في مصر سواء كنت مؤيدًا لها أو معارض فإنك لا تملك إلا أن تعترف بها كحالة شعبية لها خصوصية مصرية فريدة.
فهي تمثل حدثًا مصريًا فريدًا ترى فيها الشعب المصرى متجردًا من كل همومه السياسية والاجتماعية وكل صراعه مع الحياة ليذوب متقمصا حالة شديدة من البساطة والنقاء.
ولسنا هنا بصدد مناقشة الموالد من المنظور الديني سواء الإسلامي أو المسيحي “مؤيدين أو معارضين ” إنما نراها تلخيصًا لمصر في مشهد اجتماعي فريد.
مشهد فيه ما فيه من الشجن والصفاء والنقاء والانبساط والنشوة والعطاء والتكافل الاجتماعي الغريب.
ومشهد عليه ما عليه من بعض السلبيات التي تذوب في تلك الحالة حتى تكاد تتوارى ضعفًا وتواضعًا أمام بريق الحالة المصرية العميقة النقية التى يحياها المصريون.
لذا نراها نموذجًا فريدًا يفتح أبوابه لنا لِنلج في تلك الموالد متعرضين لبعض الحالات شديدة المصرية، وبعض الشخوص والوجوه المصرية التى تأبى أن تضمحل أمام الزمن وتظل خالدة قائمة منذ بداية الموالد ونشأتها ربما فى العصر الفاطمي أو حتى العصر الفرعوني كما ذهب بعض الباحثين.
وصدق الله العظيم فى قوله عز وجل (اعلموا أنّما الحياةُ الدنيا لَعِبٌ ولهوٌ وزينةٌ وتفاخرٌ بينكم وتكاثرٌ في الأموالِ والأولادِ كمَثلِ غَيْثٍ أعجبَ الكفارَ نباتُهُ ثم يَهيجُ فتراهُ مُصْفرًا ثم يكونُ حُطامًا وفي الآخرةِ عذابٌ شديدٌ ومغفرةٌ مِنَ اللهِ ورِضوانٌ وما الحياةُ الدنيا إلا مَتاعُ الغُرورِ)..
فمن بين صخب الحياة المصرية وما فيها من لهو نراه جدًا أو لعبًا نراه ابتلاءً..