خاوف الانكماش المالى تفرض نفسها على الاقتصاد الصينى بينما تكافح البنوك المركزية فى البلدان المتقدمة ارتفاع معدلات التضخم، فإن الصين تواجه مشكلة معاكسة تتمثل فى كون ثانى أكبر اقتصاد فى العالم يواجه خطر الانزلاق نحو الانكماش.
بالنسبة للصين، فقد كشفت الأسبوع الماضى عن أن أسعار المستهلك كانت ثابتة فى يونيو مقارنة بالعام السابق، بينما انخفضت أسعار المنتجين بأسرع وتيرة منذ العام 2016.
يأتي ذلك بالمقارنة مع معدل التضخم الأميركى والذى تباطأ وصولاً إلى 3 بالمئة (مقابل 4 بالمئة فى شهر مايو) مقارنة بـ 9.1 بالمئة فى يونيو من العام الماضي (الأعلى فى أربع عقود حينها).
وطبقاً لتقرير تحليلى نشرته صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية، فقد تضررت الاقتصادات المتقدمة بشدة من الارتفاع الشديد فى أسعار الطاقة والغذاء بعد الحرب في أوكرانيا، بينما ضوابط أسعار الطاقة فى الصين كانت تحميها من أسوأ تلك التقلبات.
لكن البلاد معرضة الآن لخطر الانكماش بسبب انخفاض الطلب الاستهلاكى والاستثمار الخاص وذلك مع خروج الاقتصاد من ضوابط صارمة ضد فيروس كوفيد 19.ويحلل تقرير الصحيفة البريطانية تفاصيل السياسات التى اتبعتها الصين منذ 2020 والتى قادت إلى الوضع الراهن ذلك أنه على غرار البلدان الأخرى سعت الصين إلى مواجهة الآثار الاقتصادية السلبية للوباء من خلال الحفاظ على تكيف السياسة النقدية والمالية على النحو التالي:
فى 2020 أصدرت الحكومة سندات بقيمة تريليون يوان (140 مليار دولار) وشهدت عجزاً مالياً بنسبة 3.6 بالمئة من الناتج المحلى الإجمالى وخفضت أسعار الفائدة بمقدار 30 نقطة أساس. فى 2022 وجهت 1.4 تريليون يوان أخرى فى تمويل شبه مالى من خلال بنوك الدولة وفقاً لأبحاث Citi. كما سُمح بزيادة إصدارات السندات الحكومية المحلية وخفض أسعار الفائدة بمقدار 20 نقطة أساس أخرى. تم توجيه الحوافز المالية لبكين فى الغالب إلى مجالات مثل الإنفاق على البنية التحتية والشركات فى شكل تخفيضات ضريبية وخفض مدفوعات الضمان الاجتماعى الإجبارية على الرواتب وغيرها من الإجراءات التي تهدف إلى منع فقدان الوظائف.على النقيض من ذلك أطلقت الولايات المتحدة خطة تحفيز مالي ونقدي أكبر بكثير، حيث يتلقى المستهلكون الأميركيون جزءاً من المكافأة في المدفوعات المباشرة وإعانات البطالة. وعانت الولايات المتحدة ودول غربية أخرى أيضاً من قيود جانب العرض حيث ترك الناس القوة العاملة وتعطلت سلاسل التوريد.
فى الصين كانت هناك مشاكل أقل فى سلسلة التوريد. تم حبس المواطنين الصينيين لفترة أطول فى منازلهم وأغلقت أعمالهم التجارية ما أدى إلى زيادة البطالة وإلحاق أضرار جسيمة بميزانيات الأسرة. كما أثر انهيار العقارات على أسعار السلع ما أدى إلى انخفاض تضخم أسعار المنتجين.فى الوقت نفسه خرجت عديد من الحكومات المحلية من الوباء وهى تغرق فى الديون. وترك القطاع الخاص مع طاقة فائضة واستشعار ضعف الطلب الاستهلاكى وعدم الرغبة فى الاستثمار.
تُعلق الباحثة فى الاقتصاد الدولى الدكتورة سمر عادل فى تصريحات خاصة قائلة: إن السياسات التى اتبعتها الصين إبان جائحة كورونا وضوابط صفر كوفيد الحازمة بعد ذلك كان لها أثر سلبى على حركة النشاط الاقتصادى ثم جاءت الحرب فى أوكرانيا لتؤثر بدورها على سلاسل الإمداد والتبادل التجارى فى وقت تعتمد فيه بكين بشكل أساسى على التصنيع والقاعدة التصديرية المرتفعة التى تحرك النشاط الاقتصادى وبالتالى يدفع الاقتصاد الصينى ضريبة تلك العوامل مجتمعة.وتضيف إلى تلك العوامل التبعات المستمرة للتصعيد الأميركى الصينى (الحرب التجارية بين واشنطن وبكين) موضحة أنه رغم الرسائل الإيجابية التى يبعث بها مسؤولون أميركون آخرهم وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين لدى زيارتها للصين، إلا أن الرئيس جو بايدن يُلوح بمزيد من التضييق (..) وبما ينعكس على عديد من القطاعات بما فى ذلك المشكلات التى تُواجه الاقتصاد الصيني فى قطاع التكنولوجيا فى سياق الضغوطات التى تتعرض لها من جانب الولايات المتحدة والغرب وبما يؤثر على النشاط الاقتصادى.
وتلفت الباحثة في الاقتصادى الدولى إلى تباطؤ الاستهلاك فى الصين تبعاً للمعطيات والسياسات المذكورة وفى ضوء الضغوطات التى واجهتها بكين خلال السنوات الثلاث الماضية منذ العام 2020 وسط تصاعد مخاوف المستهلكين ومع تقليل الإنفاق وبما يضغط على الاقتصاد ويجعله مهدداً بالانكماش المالى.