زهرة البنفسج قصة قصيرة د. أنسام المعروف كانت الغرفة قد اكتست باللون الاصفر الذي يوحي ومن النظرة الاولى بالزمن الذي مر عليها دون ان تمتد يد الترميم والتجديد عليها. اما الجدران فقد كانت خالية الا من ساعة جدارية يبدو انها قد توقفت دون ان يزعج توقفها احد. بالاضافة الى الساعة، كانت تتدلى تلك اللوحة القديمة والتي تحتوي على زهرة البنفسج وهي تنمو وسط اكوام الجليد ليبدو شكلها غريبا” جدا على الجدران الصفراء المتهالكة.
لم يكن في الغرفة سواي أنا و مريضتي، كنت اتفقد حالتها كل بضع ساعات لأتأكد من أنها بخير. لم تتذكر اسمها ابدا، ولم تجب في كل مرة سألتها عنه. ذاكرتها كانت مقتصرة على اسمه فقط. “احمد”.
عندما كانا شابين صغيرين ، التقيا ووقعا في الحب فورًا. انفصل عنها بعد فترة طويلة من علاقتهما معًا. أخبرها بأنه سيواصل حياته بعيدا عنها لأنه لم يعد معجبا بها. لم يكن هناك أي مواساة لها. بكت لأيام وايام ، وقامت بعدة محاولات لإنهاء حياتها. ومع ذلك، فقد تمكنت من تجاوز ازمتها خارجيا. بعد ذلك تمكنت من التغلب على الصدمة والنجاة. واستمرت في حياتها، لكن عقلها كان دائمًا ما يعود إلى “أحمد”، علاقتهما، والى سنواتهما معا.
اليوم، وقد أصابها تقدم العمر بمرض الزهايمر. نست كل شيء عدا اسمه. كانت تقضي ساعات تناديه باسمه من كرسيها المتحرك.
شعرتُ بالعجز. حاولتُ الدردشة معها عن مواضيع مختلفة، لكنها دائمًا ما كانت تتجاهلني. مع استمرارها في استخدام اسمه هو والذي بات أمرًا متعبًا جدا لكلينا. صاحت مرارًا وتكرارًا، وهي تنظر في عينيِ، وقالت: -“أحمد”. “يقول لي الناس كثيراً: أحبك، يا أحمد”.
كنتُ اشفقُ عليها. لأنها لم تتمكن من تحديد مصدر الألم، لكنها كانت تشعر بأنه موجود على أي حال. اكتشفتً أن مشاعرها تجاه “أحمد” لم تتغير على الرغم من تركه لها منذ سنوات. لم اكن افعل شيئًا طول الوقت سوى مراقبتها والانتظار، حتى تتحدث هي وتناديني باسمه. لأصاب ببساطة بالحيرة. أرادت في كل مرة، أن يتم سماعها من قبل شخص ما حتى ولو نسيت ما قالته بعد قليل. وفي مرة ، وأثناء جلوسنا معًا، لاحظتً أن لديها نطقًا مختلفًا قليلاً لاسم “أحمد”. وعندما ذكرتْ ذلك، ظهرتْ ابتسامة ساطعة على وجهها.
“أحمد”، صاحتْ ببساطة. وكانت تتحدثْ معي وكأنما للشخص الآخر فتقول: “أنا سعيدة جدًا لأنني قابلتك يا أحمد”.
كنتً انظرً اليها مندهشة. إن ذلك شيء جديد لم اسمعه منها من قبل.
“ماذا تعنين؟” قالتْ “إني سعيدة لأني التقيت بك حتى لو قمتً بتركي”. “لن أنسى أبدًا كم كنت راضية بسببك”. عندما قالت ذلك، ابتسمتْ. على الرغم من أنها ما زالت في ألم، إلا أن حالتها تحسنتْ. وقد حققتْ تقدمًا في التغلب على الماضي واستقبال المستقبل. “أنا سعيدة لأنني قابلتك أيضًا”، قالت لي وقد اعتبرتني “احمد”، ووافقتها على ذلك. بالمثل، ثم اضافت: “لن أنساك أبدًا”.
جلستْ بسكينة، وكانت يدي ترقد بلطف في يدها. بعد بعض الوقت، ذهبتْ إلى السرير وغفتْ.رأيتها نائمة وفكرتً في كل ما مرتْ به. تذكرتً ألمها والأحباء الذين فقدتهم. ومع ذلك، فكرتً في قوتها وقوتها الداخلية. عرفت أنها لن تستطيع أن تنسى “أحمد” ابدا، لكنها ستتحسن في النهاية. قلت لنفسي “ستجدً طريقها للمضي قدمًا حتى لو لم تتذكرْ كل شيء.” حينها رفعتً راسي ليقع نظري على اللوحة، فابتسمتً. وكنتً واثقة من أن أمل ستتشافى و ستتعافى وتبدأ من جديد.