الثقافية البدوية بين الثابت والمتغير بقلم هبه الخولي – القاهرة
تعتبر البادية احدى الروافد المهمة في الحراك السياسي والاجتماعي والاقتصادي حيث كان أبنائها على الدوام في طليعة المرسخين للقيم الحميدة والمعززين لثقافتهم النابعة من أصالتهم فهي منشأ الأنبياء والحكماء وملجأ للصالحين والزهاد والعباد أبناء للشمس أصدقاء للرمال أخوه للجوع والعطش فتبر الرمال الأصفر وزمرد السماء الأزرق عندما يتحدان عند خط الأفق لا يميز الناظر أيهما يغرق في لجة الآخر . فالموج الرملي علم أهل البادية كيف يبحروا وكيف يشعروا وكيف يحبوا و يفيضوا وفاءً وحنينًا ويستخدموا حواسهم الكامنة في الاهتداء بالنجم لتتبع الاثر. هم فرسان على ظهور جيادهم مرتحلين من غيداء الى بطحاء موطنهم منابع الماء ترحابهم بالضيف شمم وإباء. حول الحضارة البدوية أستكمل الأستاذ حمد خالد شعيب ثاني محاضرات محور الخصوصية الثقافية التي ألقاها عبر البث المباشر بالملتقيات الثقافية التي تقدمها الإدارة المركزية لإعداد القادة الثقافيين برئاسة الدكتورة منال علام التي تفضلت بحضور الملتقى عبر مداخلتها التي أضافت للملتقى ثراءاً فكرياً ومعنوياً . وقد تناول الأستاذ حمد اليوم بمحاضرته ،المرأة في المجتمع البدوي واصفاً أيها بأنها وزيرة اقتصاد بدون حقيبة دبلوماسية لا تألي جهداً في سبيل رفعة حياتها وحياة أسرتها . شريكة للرجل في حياته،وشظف عيشه وخشونة مطعمه تقاسمه صراعه مع طبيعة الصحراء عفيفة شريفة مرهفة الإحساس، والحياء عندها فطري اكتسبته من بيئة الصحراء الصافية النقية، تجمع الحطب من مسافات بعيدة وتجلب الماء مستخدمة الإبل أو الحمير لحمل القرب والروايا . فيستعين رب البيت بزوجته ، فتثبت الأوتاد وتربط إليه الحبال ثم تنشر الخيمة وترفعها بالعمد وهي التي تقوضها حين الرحيل، وهي التي تخيط الشقاق معاً لتصبح بيتا مكتملا . تغيير وجه البيت في ليالي الشتاء الباردة المتقلبة الرياح، تزين جيدها بالقلائد والعقود من الخرز وتخرم أنفها وتضع فيه (الزميم) وتزين ساقيها بالحجول هذا عند بعضهن وقد لا يملك بعضهن شيئاً منه. ونظرا لتحول الكثير من أبناء البادية الى الاستقرار والتوجه نحو التعليم والعمل في القطاع العام ، فان طبيعة نشاط المرأة البدوية تحول ايضا إما للبقاء في المنزل لرعاية الاطفال والقيام على تدبير شؤون المنزل، أو الانخراط في التعليم الجامعي والذي ساهم في ايجاد فرص عمل للفتيات وخاصة في قطاع التعليم إلا ان هذا التحول الاقتصادي والاجتماعي في المجتمعات البدوية من حياة الترحال وتربية الماشية الى حياة الاستقرار والاعتماد على الوظائف العامة او في القطاع الخاص لم يأخذ بعدا كبيرا. ثم تناول بالشرح والتوضيح القضاء العرفي وما يحظى به من مكانة خاصة لدي مختلف القبائل العربية التي تنتشر في مختلف أرجاء المحروسة ، حيث يمثل قانون البادية وأحكامه بمثابة العدالة الناجزة التي تفصل بين المتخاصمين وترد الحق لأصحابه، ويحتوي على مجموعة هائلة من المصطلحات التي يستخدمها القاضي العرفي في حل مشاكل الناس ،تم التعارف عليها بين القبائل العربية عبرسنوات طويلة ، حتي اصبحت جزء لا يتجزأ من الموروث اللغوي والتراثي للبوادي العربية العريقة. مشيراً أن إجراءات التقاضي في المحكمة العرفية تبدأ بإرسال صاحب الحق أو الشكوى دعواه إلي القاضي الذي عادة ما يتم اختياره بناء علي سمعة حسنة يتمتع بها في القبيلة ، ويتم تحديد موعد لنظر القضية يدفع قبلها كل من الشاكي والمشكو في حقه مبلغا ماليا يعرف بـ «الرزقة» وهو رسم لإثبات جدية النزاع بين الطرفين تتم إعادته لهما بعد انتهاء القضية إذ إن جميع إجراءات التقاضي مجانية ولا يشترط أن تكون «الرزقة» مبلغاً مالياً، فربما كان الطرفان لا يملكان مالاً فيرتضي القاضي وقتها بأي ضمانة يضعانها أمامه حتي ولوكانت عقال أحدهم أوعمامته، ثم يمثل الطرفان أمام القاضي، الذي يترك الفرصة للدفاع أن يعرض وجهات النظر المختلفة، بعدها يستمع القاضي إلي الشهود ثم يصدر حكمه في النهاية ويترك للطرفين مطلق الحرية أن يأخذا به أويعرضا قضيتهما علي مجلس عرفي آخر إذ إن هناك ثلاث درجات للتقاضي يلتزم بعدها الطرفان بأن يأخذا بأي حكم فيها. ورغم أن القانون العرفي ليس مدوناً، إلا أن هناك إجماع علي أحكامه التي يصدرها عموما و لا يقتصرالقضاء العرفي فقط علي البدو الذين يعيشون في المجتمع البدوي وإنما يمتد ليشمل بعض أبناء الحضر الذين يرغبون في أن يعرضوا قضاياهم علي المحاكم العرفية، والذي يتجرأ ويرفض تنفيذ الحكم تنبذه القبيلة وقد تطرده من حمايتها ومنازلها أيضا .