لواء دكتور/ سمير فرج
متابعة / عادل شلبى
السودان هي العمق الاستراتيجي لمصر من ناحية الجنوب. ولقد كانت مصر والسودان دولة واحدة، حتى جاءت ثورة 52 لتعطي السودان استقلالها، ورغم ذلك ما زال نهر النيل هو شريان الحياة الذي يربط بين مصر والسودان. كما أن السودان ومصر ومعهما المملكة العربية السعودية واليمن، يشتركون في تأمين البحر الأحمر الممر الرئيسي لقناة السويس، حيث تعبر منها ثلث التجارة العالمية والبترول، ويعيش معنا في مصر أكثر من خمسة ملايين ضيف سوداني.
وللأسف كانت السودان خلال العقود الثلاثة الماضية تحت حكم البشير. الذي جاء بعد انقلاب عسكري. كانت هذه الفترة من أكثر الفترات سوادا في تاريخ العلاقات المصرية السودانية. حتى إنه منح اشراف تركيا على جزيرة سواكن السودانية، تحت ستار أن تركيا لها أثار تاريخية منذ غزو الإمبراطورية العثمانية لليمن، وكان من الطبيعي ان يعطي هذه المهمة الى اليونيسكو مثلا لان وجود تركيا في المجرى الملاحي للبحر الأحمر يهدد الامن القومي المصري.
ونحمد الله أن جاءت ثورة شعبية أطاحت بالبشير، وتم سحب ترخيص سيطرة الأتراك على جزيرة سواكن، بدأت الأمور تعود إلى طبيعتها بين مصر والسودان، وساعدت مصر السودان في رفع اسمها من قوائم الإرهاب من الولايات المتحدة أيام فترة الرئيس ترامب حتى تستطيع أن تبدأ في إصلاحاتها الاقتصادية، كذلك بدأت مصر في التنسيق مع القوات المسلحة السودانية في تنفيذ تدريبات مشتركة، نسور النيل واحد وإثنين، وتدريب حارس الجنوب مع القوات الجوية والبرية.
وفجأة تطور الموقف في السودان عندما بدأت السودان اتخاذ اجراءات لتنفيذ الاتفاق الإطاري على أساس الانتقال إلى سلطة مدنية كاملة لقيادة البلاد، تتكون من مستوى سيادي مدني محدود بمهام شرفيه يمثل رأس الدولة، ورمزا للسيادة، وقائد أعلى للأجهزة النظامية، ومستوى تنفيذي يرأسه رئيس وزراء مدني، إضافة إلى مجلس تشريعي، وآخر للأمن والدفاع. ويرأسها رئيس الوزراء ايضا مع دمج قوات الدعم السريع. وقوات الحركات المسلحة الاخرى في الجيش السوداني، وهنا بدأت المشكلة، حيث طلبت قوات الدمج السريع أن يتم الدمج خلال عشر سنوات. بينما طلبت القوات المسلحة أن يتم الدمج في سنتين.
وبعدها ظهرت المشكلة الأكبر في من سيكون وزيرا الدفاع القائد العام للقوات المسلحة في الحكومة المدنية السودانية القادمة، لذلك اندلعت الشرارة في الشارع السوداني يوم 14 إبريل. ليبدأ الصراع العسكري على من يسيطر على الخرطوم العاصمة المثلثة. من خلال احتلال القصر الرئاسي ومبنى القيادة العامة للقوات المسلحة، ومطار الخرطوم، ومطار مروي. ومبنى الإذاعة والتليفزيون، ورغم الموافقة على العديد من مقترحات وقف إطلاق النار بين كل من قوات الدعم السريع والقوات المسلحة، إلا أنه استمرت أعمال القتال في شوارع الخرطوم بين القوتين وأصبح هدف كل من القوتين السيطرة على الخرطوم. لأنه عند الجلوس على طاولة المفاوضات، تصبح الغلبة لمن له أكبر سيطرة على العاصمة المثلثة.
ولقد أصدر الرئيس السيسي فور حدوث الاضطرابات في السودان أوامره بتكوين مجموعة إدارة الأزمة مكونة من وزارات الدفاع والخارجية والداخلية والهجرة والنقل والطيران والصحة والمخابرات العامة. لمتابعة أحداث السودان لحظة بلحظة، حيث قامت مجموعة إدارة الأزمة في تحقيق كافة مطالب السيد الرئيس وهو عودة القوات العسكرية الموجودة في التدريب المشترك سالمين إلى مصر ثم عودة المصريين الموجودين في السودان سواء العاملين هناك او الطلبة.
ولقد نجحت الجهود المصرية في استعادة 172 فرد مع بداية القتال حيث تم سحبهم إلى مطار دنقلة وهو مطار مهجور بمعرفة قوات النخبة من المخابرات العامة. General intelligence services GIS وعناصر من المخابرات العامة والحربية في العملية صقر 204، أما باقي العناصر الأخرى وعددها 27 فرد الذين كانوا داخل المطار، تم تسليمهم من قوات الدعم السريع إلى الصليب الأحمر، حيث قامت العناصر المصرية باستلامهم وتسكينهم في مقر الملحق العسكري المصري بالخرطوم حتى تم عودة جميع القوات العسكرية إلى مصر.
وجاءت المرحلة الثانية في إجلاء المصريين العاملين في السودان والطلبة الدارسين هناك كذلك العديد من الإخوة السودانيين الراغبين في التوجه إلى مصر فورا هربا من جحيم القتال في شوارع الخرطوم، وتم ذلك من خلال رحلات جوية وبرية من خلال معبر قسطل ومعبر أرقين ومطار وادي سيدنا، وعاد أبناء الشعب المصري بالكامل إلى أرض الكنانة، ومعهم عناصر من الشعب السوداني الشقيق الفارين من جحيم قتال الخرطوم مع نقص المياه والكهرباء والمواد الغذائية. ولقد قامت مصر بفتح مراكز الإغاثة من الصليب الأحمر لاستقبال المصريين والافراد السودانيين القادمين لمصر ووفرت لهم كافة سبل النقل من المعابر الحدودية للقاهرة.
وحاليا فإن الموقف داخل السودان، مازال مشتعلا بين القوتين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع تقاتل في شوارع الخرطوم. وهناك عناصر الفلول من نظام البشير تحاول إشعال الموقف، أما القوى السياسية والأحزاب السودانية فلم يظهر لها دور أساسي لحل الموقف حتى الان.
وعلى الصعيد العربي هناك الدور المصري والسعودي والإماراتي والجامعة العربية التي أعتقد أنه يمكن أن يكون لها القدرة على التدخل نظرا لقربها من عناصر الصراع في الفترة السابقة وهناك القوة الإفريقية ونقصد بها الاتحاد الإفريقي ومنظمة الإيجاد والتي أيضا لم يظهر دور مؤثر لإنهاء الصراع رغم محاولتها في حث الأطراف على وقف إطلاق النار.
ثم يأتي دور القوى العالمية حيث تحاول الولايات المتحدة أن يكون لها دور مؤثر، خاصة أنها بدأت مؤخرا في الاقتراب من القارة الإفريقية، حيث تحاول منع روسيا من إنشاء قاعدة عسكرية لها في بورسودان. لذلك كان تدخلها من خلال محادثات وقف إطلاق النار وحث كلا الأطراف على تجنب استخدام القتال من خلال اتصالات وزير الخارجية الأمريكي نفسه وكان اخر اتصال له مع وزير الخارجية المصري في محاولة للوصول الى حل لإنهاء هذه الازمة.
أما الدول الأوروبية والأمم المتحدة فلقد اقتصر دورها على مناشدة كل الأطراف. على وقف إطلاق النار، وما زالت مشكلة دارفور تؤرق الجميع، نظرا لثروتها من البترول واليورانيوم والثروات الحيوانية التي قد تدفع البعض إلى إعادة المشكلة من جديد خاصة ما يحدث بين القبائل العربية والإفريقية، وتعود للأذهان ما حدث في العهد السابق، أو قد يهرب لها محمد حمدان دقلو قائد قوات الدعم السريع في حالة فشلة في انهاء القتال في الخرطوم لصالحه وهنا تبرز مشكلة جديدة داخل السودان.
واخيرا هدد الرئيس الامريكي بفرض عقوبات جديدة على الجهات المسئولة عن اراقة الدماء حال عدم توقف الحرب. واضاف الرئيس الامريكي ان العنف الدائر في السودان مأساة وخيانة كما أصدر البيت الابيض امرا تنفيذيا بشأن فرض عقوبات على الاشخاص الذين يزعزعون الامن والاستقرار في السودان لذلك ينتظر الجميع سرعة الوصول إلى حل، خاصة أن كل طرف من الأطراف السودانية يرفض التنازل، ولكن ما زلنا لدينا الامل في الوصول لحل لهذه المشكلة قريبا.