عقد وزراء خارجية سوريا ومصر والسعودية والعراق، والدولة المضيفة الأردن، اجتماعًا تشاوريًا أخيرًا بعمان حول عودة سوريا لجامعة الدول العربية.
وسبقت ذلك اتصالات ثنائية عديدة، وتحولات فى مواقف بعض الدول العربية تجاه سوريا، وفتح القنصليات والاستئناف الدبلوماسى، حتى قبل كارثة الزلزال المدمر حول على الحدود السورية التركية،
وواكب ذلك تصريحات وبيانات مشتركة عن اللقاءات والزيارات تعكس أو تنوه بتقدم تدريجى نحو خلق الظروف التى تسمح بعودة سوريا إلى المؤسسة العربية الجامعة للعالم العربى.
وصاحب ذلك تحولات دولية وإقليمية عديدة فى الصراع الروسى الأمريكى الغربى حول أوكرانيا، وفى التوترات والأزمات بين أمريكا والصين، أو اهتزاز مواقف
واستعداد الدول العظمى لتأمين الأصدقاء خارج الأحلاف، والتحول الجارى من عالم القطبين أو القطب الواحد إلى التعددية القطبية، وتوجه دول المنطقة إلى تأمين خيارات متعددة للتعاون الدولى.
واتخاذ مواقف أكثر استقلالية من حلفاء غربيين كبار تقليديين فيما يتعلق بقضايا دولية تعنيهم مثل أوكرانيا، وأخرى إقليمية قد تختلف حولها الأولويات
مثل سوريا، وهناك توجه إقليمى نحو التحاور والتشاور مع الأطراف الإقليمية الأخرى، بمن فى ذلك منافسو وبعض أعداء الماضى، واختيار شركاء غير غربيين لاستضافة هذا الجهد مثلما شهدنا فى الاتفاق السعودى الإيرانى الأخير تحت رعاية الصين
ونشهد الآن مؤشرات لإعادة تشكيل النظام الدولى عامة والإقليمى بشكل خاص، والبدء فى تبنى وتطبيق ممارسات مختلفة عما مضى،
وهو ما يجعلنى أشدد وبقوة على أهمية استكمال لم شمل العالم العربى لعناصره، لينجح فى التصدى للتيارات العنيفة الجارفة، ولكى يكون طرفا مؤثرا فى تشكيل الشرق الأوسط الجديد.
وأول خطوة فى هذا السبيل هى عودة سوريا لمكانها بجامعة الدول العربية، وهو واجب قومى على الدول العربية الأعضاء، وعلى سوريا ذاتها، ومصلحة للكل.. وطالما تنبت الدول العربية منهجية التحاور
مع المنافسين والأعداء، فيجب التحاور مع سوريا مهما كانت الخلافات، وإذا فتحت سوريا قنوات الاتصال والحوار مع تركيا التى سبق أن دعمت التيار المتطرف فى المشرق وتحتل أراضيها وتتحكم فى مصادر مياهها،
فعلى سوريا الإسراع بالتحرك تجاه الدول العربية والتحاور والتعاون الصادق معهم.. والقمة العربية المنعقدة بالمملكة السعودية خلال هذا الشهر توفر الفرصة المواتية لاتخاذ هذه الخطوة من حيث التوقيت والمقام.
لكن ما أكدت عليه صحيفة الفايننشيال تايمز البريطانية، منذ يومين، من أن الرئيس السورى بشار الأسد استقبل تلك التحركات بـ«عدم اهتمام» قد يعوق العودة، والحقيقة أن تقرير الصحيفة أشار إلى ما هو أدق من «عدم الاهتمام»، وهى مسألة تقديم تنازلات من الجانب السورى حتى تكون العودة إلى الحضن العربى مقبولة من الجميع
نفس الوقت، نحذر وبشدة من مغبة السقوط فى فخ الاستسهال أو اللامبالاة؛ وأعنى بذلك الاكتفاء بقلب الصفحة بين الأطراف العربية، والعودة «لما كان» من علاقات وممارسات بين الدول العربية وبين الحكومات والشعوب
، والتى كانت السبب الرئيسى لما وصل إليه العالم العربى من ضعف وانقسام على المستوى الدولى والإقليمى والمحلى، وبطبيعة الحال فى سوريا ذاتها.
وقد تضمن بيان عمان فى ١ مايو عن اجتماعات الوزراء توازنات عديدة، وأشارت إلى المبادرات المختلفة.. لن أتوقف عندها رغم أهميتها مفضلا التنويه بأنه تم الاتفاق على مواصلة الاجتماعات لحل الأزمة السورية بما يتكامل مع الجهود الأممية وغيرها، وينسجم مع قرار مجلس الأمن رقم ٢٢٥٤…
الأيام القليلة المقبلة قد تشهد حدثًا استثنائيًّا بإنهاء عزلة سوريا العربية، وقد تكون العودة مشروطة بتحقيق بعض المطالب المقبولة، فهل تستجيب دمشق؟.