كتب / خالد ربيعي
متابعة / ممدوح السنبسى
تقول الأوراق الرسمية إن الأستاذ خلف الله محمد مرزوق أبوالنجا (وشهرتُه خليفة) – يرحمه الله – من مواليد 13/ 11/ 1945، بالقلمينا، لكنّ الحقيقة أن هذا التاريخ يخُصّ شقيقه (خلف الله)، الذي توفّي طفلاً رضيعاً، بعد استخراج شهادة ميلاده، وبعدها بعامين وُلد طفل سمّاه والده (خليفة)، ولم يكتبه، مكتفياً بشهادة ميلاد أخيه، أي أنّ أستاذنا الراحل من مواليد عام 1947 تقريباً.
كان الطفل خليفة أصغر الأبناء، وله 3 شقيقات أكبر منه، وتوفيّ والده وهو في سنّ الرابعة، فكفلته وربّته والدتُه، حيث كانت تتصرّف في الأرض التي تركها والده.
حصل الشاب النّابهُ، خلف الله، على دبلوم المعلمين من قنا، عام 1967، وتسلّم العمل مدرساً بقرية الأميرية في أبوتشت، وبعد فترة انتقل إلى إدارة دشنا، وعمل لمدة 8 سنوات معلّماً للغة العربية بمدرسة الوقف الإعدادية.
في عام 1981، أعير إلى محافظة حجّة بشمال اليمن، وظلّ بها 4 سنوات، وعاد منها عام 1985، فعمل معلماً للغة العربية والدراسات الاجتماعية بمدرسة القلمينا الابتدائية المشتركة، ثم مديراً لمدرسة السادات بالقلمينا لفترة وجيزة، ومنها انتقل إلى وظيفة موجّه للغة العربية، التي ظلّ بها حتى أحيل على المعاش عام 2005.
***
في الفترة التي عمل فيها معلماً للغة العربية بمدرسة الوقف الإعدادية، لم يكن “الأستاذ” يكتفي بتدريس طلبته المادة العلمية فقط، بل كان حريصاً على غرس العديد من القِيَم والسلوكيات والأخلاقيات التي تجعل منهم مواطنين صالحين؛ ينفع الواحد منهم نفسه ووطنه.
كان “القدوة” يجمع تلاميذ وتلميذات قريتنا في الصباح الباكر؛ في صفّين للأولاد والبنات، وبعد أن يتفقّد مظهرهم (…)، يتقدّمهم، ويمشي الجميع مسافة نحو 4 كيلومترات في الذهاب إلى المدرسة بالوقف، ومثلها في العودة،، طالباً من الجميع ادّخار مصاريف المواصلات (وكانت تعريفة – أي نصف قرش للذهاب ومثلها للإياب) في حصّالة، وآخر العام الدراسي يشتري الواحد منهم شيئاً من لوازم البيت أو لوازمه هو، وبهذا كان ينمّي فيهم روح الجماعة والإحساس بالانتماء، وإدراك أهمية الادّخار.
في حصة التاريخ مثلاً، كان (الأستاذ) موسوعةً في التناول، إذ يشرح المنهج بشكل غير مسبوق يجعل التلاميذ “أسرى” لتاريخ بلادهم وحضارتها الإسلامية.
أما في حصص التربية الدينية، فربّما كان المدرس الوحيد الذي يصطحب في حصته كتاب “صفوة التفاسير” لمحمد الصابوني أو “تفسير النسفي”، ويقرأ منه للتلاميذ تفسير النّص القرآني المقرّر عليهم، ويشرحه بسلاسة عجيبة!
وإن أنسى، فلا أنسى زياراته لي كموجّه للغة العربية بمدرسة السادات بالقلمينا، قبل نحو 22 عاماً، حيث كنت أُنصت مع تلاميذي بالصف الخامس، منبهراً بتناول “الأستاذ القدير” الدرسَ من كل جوانبه؛ قراءةً، وكتابةً ولغةً، ونحواً، وسلوكياتٍ، وذلك بأسلوب مبسّط لا يخلو من البهجة والطرفة.
***
كان المعلّم المثقّف من المواظبين على متابعة صحيفتَي الأخبار والوفد، وصحيفة المصري اليوم عند ظهورها عام 2004، كما كان يتابع، بشَغَف، مجلّات اللواء الإسلامي وآخر ساعة، وروزاليوسف، ومن طريف ما رواه لي صديق، كان يطلب منه إحضار جريدة الأخبار معه من دشنا، أنه – أي الأستاذ خليفة – لو رأى أن الجريدة قد فتحها (أحدٌ) قبله، لا يقرأها!!
كان “الأستاذ” يطربُ لسماعِ القرآن الكريم من المنشاوي وعبدالباسط، ويعتزّ كثيراً بأنه سمع المنشاوي في حفل له بقنا، قائلاً إن “صوته في هذا الحفل مازال يَرِنّ في أذنيه”.
كما كان من متابعي حديث الشيخ الشعراوي وبرنامج العلم والإيمان للدكتور مصطفى محمود، ومن عشّاق الشيخ محمد الغزالي، الذي يصفه بأنه “مفكّر وعالِم أزهريّ متفرّد”.
***
لم يكُن الأستاذ معلماً لنا وأستاذاً قديراً فقط، بل كان أباً وأخاً وصديقاً لتلاميذه أمثالي، ومصدرَ فرحٍ وبهجةٍ لمن يلقاه أو يجالسه.. كان عفّ اللسان، رائع البيان، لا يبخلُ بنصيحة ولا بمشورة ولا رأي.
تعلّمنا منه حُبّ القراءة والمثابرة على تحصيل العلم، والإخلاص في العمل، وأن “يشتغل” المُعلّم على نفسه، ولا ينكفئ مكتفياً بما درَسَ.
***
كان الرجل خَيّراً كريماً معطاءً، وعاش طوالَ عمره يسعى بين الناس بالخير، ويدعو للإصلاح ويُعلي مكارمَ الأخلاق، ورغم رحيله جسداً، فإنّه باقٍ في قلوبنا ما حيينا، باقٍ بذكراه الطيبة المتمثلة في أبنائه البررة:
حاتم (معلم لغة إنجليزية بالأزهر في قرية أبومناع).
ماجد (محاسب في شركة مصر للألمونيوم).
ناهد (بكالوريوس تجارة، معلّمة حاسب آلي بمدرسة الفاوية الابتدائية).
نهاد (وشهرتها رشا – بكالوريوس تربية طفولة).
محمد (بكالوريوس هندسة، وحالياً ضابط احتياطي).