كتب/ أيمن بحر
حيثعلى الرغم من إنجاز أكبر صفقة اندماج في القطاع المصرفي منذ الأزمة المالية العالمية في العام 2008 بعد استحواذ بنك يو بي إس أكبر بنك في سويسرا على كريدي سويس بدعم من الحكومة والبنك الوطني السويسري غير أن المخاوف المتعلقة بأزمة البنوك في البلاد لاتزال تلوح في الأفق ما يطرح تساؤلات لدى المستثمرين حول تداعيات الأزمة على موثوقية السياسات المصرفية السويسرية.
وهل ستبقى سويسرا واحة مصرفية لأثرياء العالم بعد هذه الأزمة؟
يرى خبراء اقتصاد ومصارف أن انهيار بنك (كريدي سويس) يهدد مكانة سويسرا ومصداقيتها كدولة مستقرة في القطاع المصرفي وبيئة مستدامة وجاذبة للمستثمرين والأثرياء حول العالم مشيرين إلى أن هذه المكانة بدأت تتراجع الأمر الذي يصب في مصلحة المراكز المالية المنافسة مثل سنغافورة ولوكسمبورغ.
وأعلنت السلطات التنظيمية السويسرية في 19 مارس 2023 عن استحواذ بنك يو بي إس على كريدي سويس مقابل 3 مليارات فرنك سويسري (3.23 مليار دولار) فى خطوة سهلتها الحكومة الفيدرالية السويسرية لتجنب المزيد من الاضطرابات التي هزت سوق الخدمات المصرفية العالمية جراء انهيار كريدي سويس والذي تلا انهيار ثلاثة بنوك أميركية ويحصل مساهمو كريدي سويس بموجب شروط الصفقة على سهم واحد من يو بي إس مقابل كل 22.48 سهم من أسهم بنك كريدي سويس الذي جرى تأسيسه قبل 167عاما ويعد من بين أكبر مديري الثروات في العالم حيث وافق البنك المركزي السويسري على تقديم خط سيولة بقيمة 100 مليار دولار أميركى للبنكين كجزء من الصفقة. يقول رائد الخضر رئيس قسم أبحاث الأسواق المالية في مجموعة إكويتى إن أزمة كريدي سويس لا تقتصر على كونها مجرد مشكلة ببنك كان يعانى من أزمات مالية قوية بل تسببت فى زعزعة ثقة المستثمرين في القطاع المصرفى ككل، باعتباره أحد أقدم المؤسسات المالية فى سويسرا بل يراه العديد من المستثمرين جزءاً من هوية البلاد.
وأضاف أن عملية استحواذ بنك يو بى إس على كريدي سويس قد تسبب في زيادة المخاطر إذ من الممكن أن تقع خسائر فادحة فى القطاع خلال الفترة المقبلة من حيث الوظائف وكذلك من حيث إضعاف المنافسة في القطاع المالي الذى يمثل أكثر من 5 بالمئة من القوى العاملة فى سويسرا.ويؤكد الخضر أن انهيار بنك كريدى سويس لا يتعلق فقط بأزمة بنك داخل دولة فقد وجه هذا الانهيار ضربة خطيرة لمؤهلات سويسرا كمركز عالمي لإدارة الثروات ما يؤدي إلى التشكيك فى سمعتها وتراجع مصداقيتها فيما يتعلق بالاستقرار والتنظيم.
وتدير سويسرا 2.6 تريليون دولار من الأصول المالية على الصعيد العالمي ما يجعلها أكبر مركز مالي في العالم قبل بريطانيا والولايات المتحدة وبالتالي فإن انهيار بنك كريدي سويس سيكون له تداعيات وخيمة على الاقتصاد العالمي وعلى الاستقرار المالي في الفترة المقبلة طبقاً لما قاله الخضر الذي أكد أن بنك (يو بي إس) نفسه كان يعاني من ضائقة مالية خلال الأزمة المالية العالمية واحتاج إلى تدخل وإنقاذ من قبل الحكومة بعد أزمة الرهون العقارية في الولايات المتحدة الأميركية.ويشرح رئيس قسم أبحاث الأسواق المالية في مجموعة (إكويتي )أن المشكلة الرئيسية تكمن في أن سيطرة بنك واحد مثل (يو بي إس) بعد استحواذه على كريدى سويس في دولة اقتصادها متوسط نسبياً يتسبب فى زيادة المخاطر فإذا تعرض البنك في الفترة المقبلة لأي أزمة متعلقة بعمليات سحب للودائع فقد يتسبب ذلك في انهيار الاقتصاد المحلي بالكامل، فضلاً عن أن كل ما يحدث داخل البنك سيؤثر على القطاع المصرفي بما في ذلك 24 بنكاً محلياً ولكن يسعى يو بي إس إلى تهدئة مخاوف الأسواق من خلال الإشارة والتأكيد على قوة الموازنة العامة للبنك والتي ستنجح في مواجهة أي أزمات قد يتعرض لها البنك مع وجود قوانين تنظيمية صارمة.وسيطرت حالة من المخاوف على وضع القطاع المصرفي في سويسرا باعتبارها رائدة في هذا المجال بعد أن لجأت الحكومة إلى قانون الطوارئ للمضي قدما في عملية استحواذ (يو بي إس) على كريدي سويس ما تسبب في توترات سياسية محلية ما بين البرلمان والحكومة.
ولكن على الرغم من محاولات التدخل لمنع انهيار البنك الذي كان من المفترض أن يكون بداية عدوى أزمة البنوك فإن مكانة سويسرا بدأت تتراجع كدولة رائدة في هذا المجال مع استمرار التوترات التي تواجهها وفي المقابل بدأت بعض الدول الأخرى في التحليق بهذا المجال مثل سنغافورة بحسب الخضر.وفيما صوت مجلسا البرلمان في سويسرا على رفض مساعدة حكومية لصفقة الاندماج بين أكبر بنكين في البلاد مما مثّل صدمة للحكومة أظهر استطلاع للرأي معهد سوتومو للأبحاث والاستشارات أخيراً أن ثلثي السكان يعارضون الصفقة بينما أعرب ثلث المشاركين في الاستطلاع عن غضبهم من استخدام قوانين الطوارئ لتجاوز البرلمان في حين قال أستاذ السياسة مايكل هيرمان مدير الاستطلاعات لدى سوتومو إن النموذج السياسى السويسرى يتعرض لضغوط فى الوقت الحالى مضيفا أن النظرة الأجنبية لسويسرا على أنها بيئة صديقة للأعمال وملاذ مالى آمن قد تتقوض.من جهته يرى الخبير الاقتصادي والمصرفي علي حمودي أن عواقب انهيار بنك كريدي سويس ستكون وخيمة على القطاع المصرفي السويسري فضلاً عن أن هذا الانهيار سيفيد بالتأكيد المراكز المالية المنافسة بما في ذلك لوكسمبورغ وسنغافورة على وجه الخصوص والتي نمت بسرعة في السنوات الأخيرة مشيراً إلى أن مصداقية سويسرا كدولة مستقرة اهتزت بسبب تحركات مثل قرار شطب قيمة حاملي سندات كريدي سويس.
ويوضح حمودي أن القطاع المصرفي السويسري الضخم تعرض لضغوط على مدى سنوات بعد تراجع السرية المصرفية حيث سعت دول أخرى إلى تضييق الخناق على التهرب الضريبي من قبل المواطنين.كما تراجعت أيضاً مساهمة القطاع المالي في الاقتصاد السويسري إذ انخفضت إلى 8.9 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي السويسري في عام 2022 من 9.9 بالمئة في عام 2002 حيث أصبحت الصناعات مثل الأدوية أكثر أهمية في بلد يصنف كثالث أعلى نصيب للفرد من الناتج المحلي الإجمالي في العالم.
ويشير حمودي إلى أن التقاليد المصرفية القديمة في سويسرا والمزايا الهيكلية تعني أن البلاد ستظل منخرطة بشدة في الأعمال المصرفية في المستقبل مع استمرار المستثمرين في اختيارها بسبب استقرارها وقوة عملتها بالفرنك السويسرى لكن المنافسة لا تزال أكثر شراسة وقوية ذلك أن الأحداث الأخيرة تعني أننا قد نرى في النهاية تفوق سنغافورة على سويسرا كمركز مصرفي عالمي