تخيل أن شهر الطاعات والصلوات أصبح أحد علامات الاسراف في المأكل والمشرب .
. أصبح شهر الاستهلاك في كل شيء. حتي أن التجار يتمنون أن يصبح العام كله ” رمضان” ليس من أجل التقرب إلى الله ولكن من أجل الجشع والاحتكار والتلاعب في الأسعار واستغلال حاجة المواطنين والتحكم في أسعار أقواتهم .
لم أرَ فى حياتى مثل هذه الفوضى فى الأسعار، والتى طالت كل شىء بلا استثناء من رغيف الخبز حتى كل أنواع الأجهزة الكهربية والسيارات وغيرها.. وبعيدًا عن العوامل الخارجية، التى نعلمها جميعًا،
والتى أصاب رذاذها كل بلاد العالم من حولنا، إلا أن ردود أفعال بعض المسؤولين لم تكن أبدًا على مستوى الحدث. وأتحدث مثالًا عن أزمة الأرز، الذى يُعتبر غذاءً لنحو 60% من سكان العالم، ومصر كانت من الدول المصدرة له فى الماضى،
ولكن الفقر المائى وزيادة السكان جعلا إنتاجها يكاد يكفى الاستهلاك المحلى،
وقد صرح السيد إبراهيم العشماوى، مساعد أول وزير التموين، بأن هناك طبقة من الأثرياء تكونت بفعل المضاربة فى سعر الأرز وتعطيش الأسواق وتخزين السلع، فى بلد يُفترض أن لديه اكتفاءً ذاتيًّا،
ويُقال إن البعض قد لجأ للأرز بديلًا عن الأعلاف لتغذية المواشى!، والبعض الآخر حجب سلعة الأرز بهدف المضاربة.. وبعد ارتفاع أصوات الغضب من أسعار الأرز واختفائه فى الكثير من المتاجر،
أصدر مجلس الوزراء قرارًا بتسعيرة جبرية فى 6 سبتمبر 2022، بحيث لا يزيد سعره على 14 جنيهًا للكيلو، ويعاقب كل مَن يخالف هذا القرار بغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه، ولا تجاوز 5 ملايين جنيه.. ومع ذلك لم يلتزم أحد!، وفى 16 فبراير من هذا العام،
فوجئنا بقرار الحكومة بإلغاء التسعيرة الجبرية قبل انتهاء المدة المقررة، مع استيراد 35 ألف طن أرز أبيض بنسبة كسر 10%، فى أول ممارسة حكومية لعام 2023 لحساب وزارة التموين، كما تحركت هيئة السلع التموينية لاستيراد الذرة لتوفير الأعلاف بأسعار عادلة لصغار المربين، مستهدفة توفير الأرز بأسعار مناسبة، فماذا يعنى كل ذلك؟.
1) يعنى أن هناك مافيا تتاجر فى سوق الأرز- وبالطبع فى أسواق أخرى- وأن هؤلاء المضاربين عديمى الضمير، الذين يسعون للمكسب الحرام على حساب تجويع المواطن المصرى، لم يعبأوا بقرار الحكومة، وأصروا على إخفاء الأرز أو بيعه بأسعار تفوق قدرة الغالبية من المواطنين، فى هذا الوقت الحرج، وقبيل شهر رمضان.
ويعنى أيضًا أن وزارة التموين لم تقم بما يجب أن تقوم به لصالح المواطن، ولاحظنا ترددًا وتراجعًا وتأخرًا فى اتخاذ الإجراءات اللازمة، وفى مقدمتها محاسبة هؤلاء التجار بتهمة الاحتكار وتعطيش السوق فى وقت الأزمات.
وما حدث مع الأرز حدث ويحدث مثله فى أسواق الدواجن والبيض،
حيث بدأ الأمر للأسف مع قرارات خاطئة ومتسرعة بوقف دخول السلع المحجوزة فى الجمارك، ومنها بضائع حيوية من شهر مارس حتى شهر ديسمبر، وهو ما تسبب فى اختفاء العلف، الذى أدى بدوره إلى القضاء على الكتاكيت والدواجن، التى ارتفعت أسعارها بشدة،
فى الوقت الذى يعانى فيه المواطن زيادة أسعار اللحوم بصورة شبه يومية!، واضطرت الحكومة إلى اللجوء لاستيراد الدواجن حتى تكتمل دورة إنتاج البيض بعد توفير العلف..
وتثور هنا بعض علامات الاستفهام.. مَن يحاسب المسؤول عن القرارات المتسرعة التى أدت إلى أزمة الأعلاف؟،
ولماذا تأخرت وزارة الزراعة فى توفير العلف محليًّا؟، ولماذا لم تُوضع تسعيرة مؤقتة للدواجن بالتفاوض مع المنتجين تتيح لهم نسبة ربح مناسبة مع سعر معقول للمستهلك،
ولا نستسلم لمنتج يسعى إلى الربح المُبالَغ فيه على حساب المواطن، فى ظروف استثنائية؟، وأين سلطة القانون