لواء دكتور/ سمير فرج متابعة عادل شلبى أتابع اليوم سلسلة مقالاتي لتحليل اتجاهات العالم في عام 2023، والتي بدأتها، في الأسبوع الماضي، بتناول الحرب الروسية الأوكرانية، واحتمالات تطورها خلال الفترة القادمة. أما اليوم، فنقدم تحليلاً مختصراً عن الصين، التي صارت العدو الأول للولايات المتحدة الأمريكية، ولعل السبب الرئيسي لذلك، هو تنامي القوة الاقتصادية للصين، واحتلالها للمركز الثاني في ترتيب القوى الاقتصادية في العالم، الذي تتصدره الولايات المتحدة. فعلى سبيل المثال، بلغت واردات الولايات المتحدة من الصين، في العام الماضي، قيمة 500 مليار دولار، بينما بلغ حجم صادرتها للصين ما قيمته 375 مليار دولار، بما يوضح ميل الميزان التجاري، بين الدولتين، ناحية الصين بقيمة 125 مليار دولار. وبنظرة عامة على مؤشرات الاقتصاد الصيني، نجد أن إجمالي الناتج المحلي بلغ، في العام الماضي، 14,8 تريليون دولار، محتلة بذلك المركز الثاني بعد الولايات المتحدة بإجمالي 20,9 تريليون دولار، تليهما اليابان، وألمانيا، بإجمالي ناتج محلي بلغ 4 تريليون دولار، و3 تريليون دولار، على التوالي. وقد كانت تلك الفجوة الكبيرة بين مؤشرات الصين، والدول التالية لها في الترتيب، أحد أسباب غضب الولايات المتحدة. يضاف لذلك تنفيذ الصين، حالياً، لمبادرة الحزام والطريق، التي أطلقتها عام 2013، لإحياء طريق الحرير القديم، وقد ضخت 900 مليار دولار لإنشاء هذا الطريق، الذي يربط ثلاث قارات؛ آسيا وأوروبا وأفريقيا، وهو ما يعد أحد أسباب تخوف الولايات المتحدة، لما يمثله من تحكم الصين في واردات دول تلك القارات، وما يمثله من فرصة للصين لفتح أسواق جديدة لها في كافة تلك الدول. فضلاً عما سببه ذلك المشروع الضخم من التحالف بين الصين وروسيا، لما يتطلبه من المرور بالأراضي الروسية، والاعتماد على مصادر الطاقة بها، وبما يحقق رغبة الدولتين في العزل التجاري، التدريجي، للولايات المتحدة عن تلك القارات الثلاث. وواصلت الصين قفزاتها نحو التقدم الاقتصادي، فبدأت تنفيذ استثمارات، في مجال البنية التحتية، في حوالي 35 دولة أفريقية، مثل إنشاء الطرق، وخطوط السكك الحديدية، والموانئ البحرية، والجوية، والسدود، ومحطات الكهرباء، فضلاً عن إقامة مناطق استثمارية متكاملة. وقد فتحت الدول الأفريقية ذراعيها للاستثمارات الصينية، لما ارتأته فيها من دعم اقتصادي، منزه عن التدخل العسكري، رغم أن للصين قاعدة بحرية عسكرية، في جيبوتي، على بُعد بضعة أميال من القاعدة الأمريكية هناك، وعزمها إقامة أخرى في غينيا الاستوائية، تضمن لها وجود عسكري، دائم، في المحيط الأطلسي، للمرة الأولى، قبالة السواحل الأمريكية، وهو ما يثير قلق الأخيرة. وكانت أحدث الضربات الصينية، عقد مؤتمر القمة الصيني السعودي الخليجي العربي، لإعلان الشراكة الاستراتيجية بين الصين والسعودية ودول التعاون الخليجي، من خلال مشاركة الصين في مبادرة الشرق الأوسط الأخضر، بالإضافة لتوقيع عدد من الاتفاقيات الاقتصادية، حققت فيها الصين امتيازات كبيرة، خاصة التجارة الحرة، بين دول الخليج والصين، مع ضمان استمرار تدفق النفط الخليجي للصين. واشتدت وطأة العداء بين الدولتين، وفي محاولاتها للتصدي للنمو الاقتصادي الصيني، فقد فرضت الولايات المتحدة الأمريكية قيوداً اقتصادية على الصين، خلال الفترة الماضية، إلا أن أي منها لم يؤت بثماره، فسعت لمنع حلفائها الأوروبيون من التعامل مع الصين، كمحاولاتها لمنع شركة هواوي الصينية، الرائدة في مجال تكنولوجيا المعلومات، من تطوير شبكة اتصالات الجيل الخامس في بريطانيا، بزعم أن ذلك سيتيح لها المجال للتجسس على كل الاتصالات الأوروبية. وعلى الصعيد العسكري، احتلت الصين المركز الثالث، بعد أمريكا وروسيا، في الترتيب العالمي للقوى العسكرية، وفقاً لتقرير مؤسسة “جلوبال فاير باور”، لعام 2022، كما بدأت في إنتاج أسلحة جديدة، يتفوق، بعضها، على عدد من الأسلحة الأمريكية، مثل المدفع المغناطيسي، والطائرات المقاتلة من طراز شينجدو جي 2، وهي نسخة من المقاتلات الشبح الأمريكية F16، أكبر مقاتلة عسكرية في العالم، كما قامت ببناء أضخم حاملة طائرات في العالم. وفي المجال النووي، فالصين هي الدولة الرابعة، في النادي النووي، بعدد 207 رأس نووي. وعلى المستوى السياسي، حققت الصين استقراراً سياسياً، في أواخر العام الماضي، بانتخاب الرئيس شي جين بينج، لفترة ولاية ثالثة، لتأكيد استقرار الحكم، وما يشمله من السياسة الخارجية والداخلية للصين، في الفترة القادمة. ورغم استخدام أزمة تايوان لزعزعة الاستقرار الصيني، بزيارة نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب الأمريكي، لتايوان، منذ عدة أشهر، فإن ذلك لم يستفز الصين، رغم قيامها بتدريبات عسكرية، في بحر الصين، لإظهار قوتها، إلا أننها لم تتورط في عمليات عسكرية، حتى لا تتوقف عجلة الاقتصاد، وهو ما يعد قرار حكيم، يحسب للقيادة السياسية الصينية. واستمراراً لمسلسل استفزاز الصين، أقر مجلس النواب الأمريكي 10 مليارات دولارات، كمساعدة عسكرية لتايوان، لإثارة غضب الصين، وزيادة التنافس العسكري في المنطقة، خاصة بعدما أعلنت اليابان زيادة ميزانيتها للدفاع، بقيمة 74 مليار دولار، وهو ما يمثل زيادة تاريخية في إنفاقها العسكري بنسبة 26%، من خلال برنامج مدته 5 سنوات، لزيادة قدرتها الأمنية ضد التهديدات العسكرية من الصين، وكوريا الشمالية، وروسيا، وهو القرار الناجم عن مخاوف اليابان نتيجة الأزمة الروسية الأوكرانية. وبهذا يشتعل الموقف في خليج تايوان وبحر الصين. وفي المقال القادم نناقش العلاقات المصرية الأمريكية، والرؤية الخاصة بالقضية الفلسطينية وأبعادها، والتغيرات المنتظرة في الشرق الأوسط.