لواء دكتور/ سمير فرج متابعة عادل شلبى بورسعيد أجمل بلاد الدنيا التي ولدت فيها وامضيت فيها أجمل أيام حياتي فيها تعلمت كل شيء من التعليم والموسيقى والفنون وحتى الوطنية. وعندما كنت طفلا صغيرا وحدث العدوان 1956 ويومها هاجم الإنجليز والفرنسيين مدنيتي الجميلة بورسعيد، وأتذكر يوم الغزو عندما استيقظنا على ضرب الطائرات الفرنسية والبريطانية لمدينتي، ثم بدأ الإنزال بالمظلات البريطانية في مطار الجميل، وذهبت أنادي والدي حيث كنا نرى من منزلنا هبوط المظلات البريطانية، وبدأ الأسطول البريطاني والفرنسي في قصف المدينة، ويفتح والدي محطة BBC ليسمع منها الإنذار البريطاني لشعب بورسعيد للنزول إلى المخابئ وإخلاء المساكن في منطقة شارع البحر المعرض للضرب من مدفعية الأسطول البريطاني، ونزلنا جميعا وسكان العمارة قضينا عدة أيام حتى جاء يوم 2 نوفمبر لتعلن إذاعة BBC دخول القوات البريطانية مدينة بورسعيد وبورفؤاد ويمكننا الخروج من الملاجئ تحت الأرض، وصعدنا إلى شقتنا لنجد أن زجاج المنزل بالكامل قد تحطم. وأخذني والدي من يدي لنذهب إلى شارع محمد علي حيث تعيش جدتي لكي نطمئن عليها لأن التليفونات كلها كانت قد تعطلت، ولكن في الطريق كانت مجموعات من رجال المقاومة والجيش على ناصية كل شارع مستشهدين والدماء تنزف منهم، و أمرني والدي بالذهاب للمنزل وإحضار الملاءات لتغطية الشهداء، وأعتقد أنه بعد ساعة لم يكن ولا ملائة واحدة في بيتنا، وذهبنا إلى ميدان المحافظة حيث كانت العمارات كلها محروقة ب بقنابل النابالم التي ألقتها الطائرات الفرنسية والإنجليزية فوق هذه العمارات، التي كانت تطلق منها قوات المقاومة الشعبية النيران ضد الطائرات المغيرة. وأخيرا وصلنا إلى منزل جدتي في شارع الثلاثيني التي رفضت النزول إلى المخابئ خلال فترة الغزو، والحمد لله كانت بخير، وبقينا في بورسعيد طوال هذه المدة حتى تم خروج الإنجليز والفرنسيين يوم 23 ديسمبر، قاسينا فيها حظر التجول من البريطانيين، كانت غارات الفدائيين المصريين كل يوم ضد الإنجليز ومناطق إيواءهم ورفض شعب بورسعيد إنزال شحنة الخضروات والفواكه التي أحضرها البريطانيين من قبرص وعاش شعب بورسعيد طوال هذه الفترة على شحنة من البطاطس المصرية التي كانت موجودة في الميناء ولم يتم شحنها. وكثرت البطولات في هذه الفترة منها خطف الضابط الإنجليزي مورس هاوس ابن عم ملكة بريطانيا حيث كانت ضربة مؤلمة للبريطانيين أنداك ثم اغتيال الرائد وليمز ضابط المخابرات البريطانية الذي كان في بورسعيد لمدة 20 عام قبل الجلاء ويتكلم العربية بطلاقة، وهذه كانت ضربة موجعة لهم. ولا أنسى يوم 23 ديسمبر وأنا مندفع مع كل أبناء بورسعيد نحو ميدان المحطة لنستقبل طلائع الجيش المصري، وهي تدخل مدينة بورسعيد ساعتها قررت أن أكون ضابطا مثل هؤلاء لأدافع عن بلدي العظيمة بورسعيد ومصر كلها. ومرت السنوات وفي كل عام كنا نحتفل في بورسعيد مع الرئيس جمال عبد الناصر في احتفال النصر، حيث يقف عبد الناصر يستعرض قوات الجيش وهي تمر في الاستعراض العسكري في ميدان المحافظة، وأقف وأنا طفل صغير وأصفق لقوات الجيش المصري في الطابور العرض، بعدها نتوجه إلى إستاد بورسعيد وأنا ضمن فريق الكشافة البحرية لنستمع إلى خطاب عبد الناصر ويتكلم عن كفاح شعب بورسعيد العظيم الذي أصبح مثالا للتضحية والفداء. وتمر الأيام والتحق بالكلية الحربية محققا أجمل أمنيات عمري، أن أصبح ضابطا من الجيش المصري، وفي عام التخرج في شهر إبريل جاءت هديتي من السماء، عندما جاءت احتفالات عيد النصر في بورسعيد وتم تعييني من قائد الكتيبة لأكون حامل علم الكتيبة في احتفالات 23 ديسمبر في بورسعيد في الطابور العسكري أمام الرئيس عبد الناصر وذهبت واشتركت في طابور العرض، وتذكرت وأنا طفل صغير اصفق لهؤلاء الجنود والضباط، والآن أنا منهم أحمل علم بلادي في مدينتي الجميلة بورسعيد، أمام الرئيس جمال عبد الناصر ونسير في طابور العرض في شوارع بورسعيد الباسلة، كلها ذكريات عظيمة تجعلني دائما فخورا بمصريتي، وأننا من أبناء بورسعيد الباسلة. وعندما أزور بورسعيد في كل مرة، أعبر بوابة المدينة، فإنني أنعطف شمال في اتجاه المقابر لزيارة مقبرة والدتي الراحلة رحمه الله عليها السيدة العظيمة التي افتخر بها دائما، وإنني إبن لها، وقد أحسنت تربيتي أنا و اخوتي وكل بنات بورسعيد، لأنها ظلت ناظرة مدرسة البنات في بورسعيد لمدة 25 سنة، ورفضت أيامها أن تترقى لوظيفة أعلى حتى لا تترك بورسعيد، وتظل معنا، واليوم أقول بكل فخر انني إبن السيدة نبوية الجابري، رائدة التعليم في بورسعيد والتي اطلق اسمها حاليا على أحد مدارس البنات في بورسعيد تقديرا واحتراما بفضلها في تعليم سيدات بورسعيد خلال 25 سنة. ودايما بعد زيارة قبر والدتي أتوجه إلى لسان دليسبس، حيث كنت أقضي أجمل فترات حياتي وانا طفل صغير وأنا جالس أتطلع على السفن الأجنبية وهي تدخل قناة السويس من هذا المكان كذلك أتذكر يوم اندفع شعب بورسعيد لنسف تمثال ديلسبس وانا فيهم تعبيرا عن رفضهم للاحتلال الفرنسي والإنجليزي للمدينة، ومازالت قاعدة التمثال خاوية حتى الآن شاهدا على وطنية هذا الشعب العظيم وأبناء بورسعيد. وبعد لسان دليسبس يجب أن أتجول في المدينة، وبالذات حي الأفرنج الذي قضيت فيه أجمل أيام طفولتي، في تلك المباني الجميلة، ذات التراث الطراز الفرنسي والإيطالي، حتى أصل إلى معدية بورسعيد الذي التي طالما كنت استقلها كفسحة لنا بالعبور إلى مدينة بور فؤاد أو إلى آسيا، بطرازها المعماري الفرنسي وأمامي في القناة مبنى هيئة قناة السويس، رمز الصمود بورسعيد، يوم امم الرئيس عبد الناصر قناة السويس، بعدها أعود إلى شاطئ بورسعيد والذي شاهد أجمل أيام طفولتي، على أجمل شواطئ الدنيا وكازينو الجزيرة وسط مياه البحر، حيث كانت الموسيقى تعزف في صباح كل يوم جمعة والأحد، ومن خلاله تعلمت تذوق فنون الموسيقى خاصة في الفترة التي كان يتواجد فيها الأجانب الإنجليز والفرنسيين والإيطاليين واليونانيين وغيرهم، الذين أعطونا لمحة رائعة من الفنون الجميلة وكنا نقضي أياما جميلة على هذا البلاج أيام الصيف اعتبارا من شهر مايو يونيو حتى سبتمبر، و أيضا لا أنسى صيد السمان في الصباح الباكر وصيد السردين مع الصيادين كلها ذكريات جميلة. أما دور السينما في بورسعيد فكانت تعرض دائما النسخة الأولى من الأفلام الأجنبية قبل القاهرة، وخصوصا السينما الصيفي حيث كانت بورسعيد تحتوي على أكبر أعداد من دور السينما في المدن المصرية. وقبل ان أنتهي من رحلتي لبورسعيد يجب المرور على البازار أو سوق السمك القادم من بحيرة البردويل أو من منزلة أو شاطئ المتوسط، إنها أجمل الأسماك الطازجة الرائعة لكي أخد منها إلى منزلي في القاهرة، بعد أن يتم شوائها في أحد أفران بورسعيد التي تتميز عن غيرها من المدن المصرية وهي الشواء على البلاطة بالردة. وفي طريق العودة يجب أن أفتح النافذة السيارة لاستنشق نسمات هواء بورسعيد التي سأفتقدها في القاهرة وتجعلني أردد دائما ما كنا نقوله يجعلك عمار يا بورسعيد.