يواجه بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلى المكلف، مأزقاً فى تشكيل حكومته المقبلة بعد أن فاز بأغلبية مريحة بتحالفه مع أحزاب اليمين المتطرف، وعلى رأسها حزب المنظمة الصهيونية وأحد زعمائها «إيتمار بن غافير» المعروف بتطرفه الشديد، وكراهيته للعرب والرغبة المتأصلة بالانتقام من كل ما هو غير يهودى،
نتنياهو فى وضع لا يُحسد عليه، فهو مطالب بتنفيذ وعوده الانتخابية لحلفائه، وعلى رأسهم «بن غافير»، لكنه يحاول التهرّب من هذا العبء من خلال رغبته بتشكيل حكومة موسّعة، لأنه لا يرغب بالمخاطرة بمنح ممثلى اليمين المتطرّف مثل إيتمار بن غافير حقائب سيادية
كما يطمح، لذلك يسعى نتنياهو لإقناع خصميه يائير لابيد وبينى غانتس، بالانضمام إلى حكومته، لتقليل نفوذ كتلة اليمين المتطرف وليتجنب عزلة دولية.
فمن هو «إيتمار بن غافير» الذى سلطت عليه أضواء الإعلام منذ فترة؟ إنه شخص عنيف، معادٍ للديمقراطية والليبرالية، نشأ فى القدس لأب يهودى من أكراد العراق، وهو من أنصار حركة «كاخ» المتطرّفة، يكن إعجاباً شديداً لـ«باروخ جولدشتاين» الطبيب الصهيونى منفّذ مجزرة الحرم الإبراهيمى
، التى قتل خلالها قرابة 30 فلسطينياً وهم فى صلاة الفجر، قبل أكثر من 28 عاماً، بل يعتبره بطلاً! لديه روح انتقامية من العرب، ومن كل ما هو غير يهودى، فمن تصريحاته النارية المتشدّدة، قال «بن غافير»، فى مقابلة مع إحدى وسائل الإعلام الإسرائيلية:
«إن كل من يؤذى الجيش الإسرائيلى، يجب أن يرحّل جواً وبحراً خارج البلاد»، ويعترف «بن غافير» فى المقابلة نفسها بأنه تمت إدانته قبل سنوات على ملصق كتب عليه «اطردوا العرب»، كما أدين بتهمة التحريض على الكراهية
وتأييد منظمة إرهابية عام 2007، غير أن كل هذا لم يمنعه أن يكون الرقم الصعب فى معادلة التوازنات السياسية بعد فوز حزبه بـ18 مقعداً فى الانتخابات العامة الأخيرة.
مأزق «نتنياهو» فى أنه يَدين بالكثير فى عودته للحكم لهذا السياسى المثير للجدل، فقد أهداه الأغلبية التى كان ينشدها منذ عام 2019، لكنه أيضاً سيسبّب له صداعاً مزعجاً، خاصة على المستوى الدولى، سيجعله بين أمرين أحلاهما مرّ.
فعيْن «بن غافير» على وزارة الأمن الداخلى السياديّة. وهو ما لن يمرّ قطعاً مرور الكرام، خصوصاً مع أمريكا، حيث نُقل عن الرئيس «جو بايدن» رفضه التعامل مع «بن غافير» إذا تسلم حقيبة فى الحكومة المقبلة.
وعليه فهو لا يحرج فقط نتنياهو وحلفاء إسرائيل الغربيين، بل أيضاً الدول العربية التى وقّعت «اتفاقات أبراهام» برعاية أمريكية، وهى الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، بل وقد يقطع الطريق أمام الدول الأخرى التى كانت مرشّحة لتحذو حذو تلك الدول، لركوب قاطرة التطبيع مع إسرائيل.
لكن يبدو أن نتنياهو سيكون قادراً على رفض طلب «بن غافير» بتولى وزارة الأمن، بذريعة التهديد الأمريكى العلنى من الإدارة الأمريكية بعدم التعامل معه، وهى مسألة غاية فى الحساسية بالنسبة للأمن الإسرائيلى،
لذلك إما أن يقبل بوزارة غير مهمّة وإما أن ينتقل إلى صفوف المعارضة، وحتى انتقاله إلى صفوف المعارضة لن يهز مكانة نتنياهو، وسيجد من المرشحين المنتمين إلى اليمين ما يتكفل بتشكيل حكومة متطرّفة ومنسجمة
، وقادرة على الاستمرار، ولن تكون مهدّدة من المعارضة الأقل تطرفاً، لكن ذلك سينعكس بالطبع على القائمة العربية التى فقدت جزءاً مهماً من ثقلها فى الكنيست، وفى القدرة على كبح جماح اليمين المتهور فى اتجاهه لاتخاذ المزيد من الإجراءات بشأن الاستيطان وتهويد القدس، والأهم الإلغاء النهائى لمبدأ «حل الدولتين».
إن هذه الحكومة ما هى إلا ثمرة لتحولات عميقة لدى الناخب الإسرائيلى نحو تبنى سياسات اليمين المتطرف واعتبارها أكثر استحقاقاً بصوته الانتخابى، بسبب انعدام ثقته فى قدرة المعارضة على تحقيق الأمن له، نتيجة الارتباك
الذى شكل سياسات وإجراءات الحكومة السابقة، غير أن ما يعطى هذه الحكومة الجديدة أهمية استثنائية، هو أنها تتشكل فى ظل مؤشرات أمريكية واضحة، تؤكد أن «دونالد ترامب» قادم لا محالة،
بالنظر إلى استطلاعات الرأى الخاصة بالانتخابات النصفية فى الولايات المتحدة، حيث سيعود الجمهوريون بقوة على حساب الديمقراطيين فى الكونجرس، وفى المحصلة فإن هناك تشكيلاً جديداً، سيستعيد فيه اليمين الأمريكى والإسرائيلى
دورهما المفقود فى الشرق الأوسط، بما ينبئ -حسب المراقبين- بتحولات مؤكدة فى هذا الجزء من العالم، وفى مقدمتها الموقف من إيران وملفها النووى، أما الملف الفلسطينى فهو خارج الحسبان.