إعداد / حازم خزام بالهيئة العامة للإستعلامات برئاسة الجمهورية
متابعة عادل شلبى
Social Psychology
طبيعى أن تتأثر سلوكياتنا و مفاهيمنا و معتقداتنا و اختياراتنا بعلاقتنا بالعالم الخارجي ، كما تتأثر بنظرة الآخرين لنا، و يهتم علم النفس الاجتماعي بدراسة الظاهرة الاجتماعية و كيف تؤثر في الناس و كيف يتفاعلون معها ، و كذلك كيف تؤثر المجموعات في سلوك الأفراد و كيف يتفاعل هؤلاء الأفراد بدورهم مع تلك المجموعات . و من هنا ظهر علم النفس الاجتماعي و الذي اهتم به العديد من علماء النفس .
تعريف علم النفس الاجتماعي :
هو أحد فروع علم النفس الذي يهتم بدراسة السلوك الاجتماعي للفرد و الجماعة معاً و استجابات الفرد للمثيرات الاجتماعية و ذلك من خلال الدراسة العلمية للإنسان ككائن اجتماعي و ملاحظة الخصائص النفسية للجماعات باختلافها و دراسة أنماط التفاعل الاجتماعي بين أفراد المجموعة الواحدة .
و يهتم علم النفس الاجتماعي بدراسة سلوكيات الأفراد في مختلف المواقف، حيث يركز على دراسة سلوك الفرد في الموقف نفسه، و ما يحيط به من مشاعر و مؤثرات و اتجاهات داخلية و دور العلاقات مع الآخرين و التفاعلات الاجتماعية التي تؤثر على الفرد حال حدوث الموقف نفسه، و تسبب ظهور السلوك الملاحظ.
و يتميز السلوك الاجتماعي للإنسان بكونه معقد حيث تؤثر فيه العديد من العوامل، و بخاصة ما يرتبط منها بطبيعة الأفراد و شخصياتهم و طريقة تعاملاتهم مع الآخرين و في المواقف المختلفة التي تواجه الإنسان في حياته اليومية.
و يرتبط علم النفس الاجتماعي بفروع علم النفس الأخرى كعلم النفس الفسيولوجي، و علم نفس النمو و يرتبط كذلك بمفهوم الصحة النفسية للإنسان حيث يهتم بدراسة تأثير التنشئة الاجتماعية و مدى تكيف الفرد مع مجتمعه و علاقاته مع الآخرين، و ما قد ينتج عن الخلل في تلك العلاقات من سلوكيات تضر بالفرد و منها اللجوء للتدخين و الإدمان و الانتحار و غيرها.
و يرتبط بمفهوم التنشئة الاجتماعية للإنسان عدد من المتغيرات المؤثرة فيها و منها طبيعة المحيطين به و الذين يؤثرون في شخصية الفرد و يؤثر هو فيها، و هي عملية مستمرة باستمرار حياة الفرد و تساهم التنشئة الاجتماعية في تحويل الطفل من كائن لا يعرف شيئاً إلى كائن أكثر تفهماً لطبيعة الحياة و أكثر قدرة للتعامل معها و بشكلٍ منظم و يتم ذلك من خلال التوجيه الأسري و الاجتماعي الهادف لتكوين توعية و قيم محددة لدى الطفل.
انواع الجماعات :
تتنوع و تتابين الاجتماعات من حيث العدد و درجة الارتباط و حتمية الارتباط الذي يهدف إلى تلبية أهداف مشتركة لأفراد هذه الجماعة . و يمكن إيجاز أنواع الجماعة كالتالي :
1. الجماعة المرجعية : التي هي جماعة يرجع إليها الفرد في تقويم سلوكة الاجتماعى و التي تتميز بالفاعلية القصوى على الصعيد الفردي و الجماعي .
2. الجماعة الأولية : و هي جماعة يربط أفرادها عناصر المعرفة الشخصية و الصداقة و الحب مثل الأسره .
3. الجماعة الثانوية : و هو مسمى يطلق على الجماعه التي تسعي إلي إثارة نوع من الشغب بغرض الظهور و القوة .
4. الجماعة الرسمية : مثل الهيئات و المؤسسات الرسمية التي تجتمع لتحقيق أهداف معينة ترتبط بمصلحة الهيئة .
5. الجماعة الغير رسمية : و تتكون هذه الجماعة بشكل تلقائى نتيجة مرور فترة زمنية طويلة على تواجد الأفراد في مكانٍ ما و يجمعهم ترابط اجتماعى و علاقات إنسانية طبيعية.
و وفقاً لتعريف (جوردون ألبورت Gordon Allport) أحد الأباء المؤسسين لعلم نفس الشخصية ، حيث يُعرِف جوردون ألبورت علم النفس الاجتماعي كالآتي : “هو المنهج العلمي الذي يعمل على دراسة و فهم كيفية تأثر تفكير و مشاعر و أفكار و سلوك الأفراد بالحضور الحقيقي أو الضمني أو الخيالي لأشخاص آخرين” . بمعنى ما تمثله القدوة ورد الفعل من تشكيل الاتجاهات الاجتماعية ، كذلك ما يمثله المشاهير كرموز أثرت في تشكيل الوجدان الجمعي لمجتمع ما.
و هناك تعريف آخر لـ ( روبرت. أ. بارون Robert A. Baron) حيث أصاغ تعريفاً لعلم النفس الاجتماعي في كتاب بعنوان “علم النفس الاجتماعي” بأنه: المجال العلمي الذي يهدف لفهم طبيعة و أسباب سلوكيات الأفراد في المواقف الاجتماعية.
و يلتزم علم النفس الاجتماعي باتباع قواعد المنهج العلمي المعروفة و هي :
1. التجريب أو الإندهاش Experimentation
2. الحساب الآلي Automatic Computation
3. الثبات الإحصائي Statistical Reliability
4. إمكانية اعادة الاختبار The possibility of re-test
وتوجد العديد من المصادر التي تساهم في توجيه الفرد و تشكيل قيمه و سلوكياته و منها الأسرة و المدرسة و الأصدقاء و دور العبادة و وسائل الإعلام و مصادر الثقافة المتاحة لدى الفرد.
أما عن محور التفاعل مع الآخرين فنجد أن هناك العديد من العلاقات المتشعبة التي تحكم التفاعلات بين الأفراد في كل المجتمعات و منها علاقات التنافس و التعصب للرأي و التسامح و الولاء لفكر معين و الرغبة في السيطرة و الغيرة و الرغبة في الشعور بالتقدير و الحب أو الشعور بالكراهية و غيرها من الدوافع التي تحرك الإنسان و تسيطر عليه في تعاملاته المختلفة مع الآخرين.
و يهتم علم النفس الاجتماعي بالعديد من الموضوعات الاجتماعية، مثل السلوك الجماعي، الرأي العام، مهارات القيادة، السلوك غير اللفظي، العدوانية، التحيز لطائفة أو فريق أو خلافه. ولا تتوقف مجالات بحوث علم النفس الاجتماعي على المؤثرات الاجتماعية فحسب، بل هناك موضوعات أخرى هامة وحيوية مثل التفاعل الاجتماعي ، على سبيل المثال : الشكوى من تزايد العنف و السلوكيات العدوانية لدى الأطفال و المراهقين نتيجة الانتشار الإعلامي لكل ما يحرض على العنف و استعراض القوى الجسدية أو أساليب الاستفزاز المعنوي.
و يهتم علم النفس الاجتماعي أيضاً بمحاولة تفسير مفهوم الجماعة من خلال محاولة إيجاد تعريف محدد لها و تقسيمها بتصنيفات مختلفة و ذلك بهدف الوصول للعوامل التي ترتبط بتكوينها و يتأثر بها الفرد عند تعامله معها، حيث نجد مثلاً عندما يختلف فكر الفرد عن الجماعة التي يتعامل معها فقد يلجأ للتكيف محاولاً التمسك بمعتقداته، مع إظهار التقبل للفكر الآخر، و قد يندمج تماماً مع الفكر الآخر دون مشكلات.
يهتم علم النفس الاجتماعي كذلك بمقاييس الاتجاهات المختلفة و المتنوعة في محاولة لفهم تلك الاتجاهات و مكوناتها و دورها في حياة الفرد و علاقته بالآخرين، إنه فرع متميز من فروع علم النفس و يستحق الدراسة لارتباطه بالفرد و المجتمع و المؤثرات التي تحكم تلك العلاقات.
الفرق بين علم النفس الاجتماعي و العلوم ذات الصلة :
تجدر الإشارة إلى تداخل علم النفس الاجتماعي مع مجالات علمية أخرى ذات صلة، مثل علم نفس الشخصية Personality Psychology، الأمثال الشعبية، وعلم الاجتماع Sociology، إلا أن هذا التداخل والتشابه لا يمنع وجود فروق جوهرية بينه وبين هذه العلوم و الذي يمكن توضيحه كالتالي :
1. علم النفس الاجتماعي و علم دراسة الأمثال و الحكم الشعبية :
يختلف علم النفس الاجتماعي عن علم دراسة الأمثال والحكم الشعبية، من حيث أن دراسة الأمثال الشعبية تعتمد على الأقوال الشفهية، والتأويلات غير الموضوعية، في حين أن علم النفس الاجتماعي يعتمد على توظيف المنهج العلمي والتجريبي لدراسة الظاهرة الاجتماعية، حيث لا يقتصر دور الباحث على الافتراضات والاستنتاجات، بل ينصب عمله على ابتكار و إجراء تجارب لمعرفة العلاقات بين المتغيرات المختلفة و ما يتبع تأثيراتها من نواتج.
2. علم النفس الاجتماعي و علم نفس الشخصية :
يركز علم نفس الشخصية على السمات الشخصية، والأفكار، في حين يهتم علم النفس الاجتماعي بالتركيز على المواقف والسلوكيات المرتبطة بهذه المواقف، حيث يهتم باحثو علم النفس الاجتماعي بتأثير البيئة الاجتماعية ومجموعة الاستجابات وردود الأفعال على السلوك والتصرفات.
3. الفرق بين علم النفس الاجتماعي وعلم الاجتماع :
على الرغم من أوجه التشابه الكثيرة بينهما، أن علم الاجتماع يهتم بدراسة السلوك الاجتماعي وتأثيره على نطاقٍ واسع، بالمؤسسات والثقافات التي تؤثر على سلوك الأشخاص، في حين ينصب اهتمام الباحث النفس الاجتماعي على المتغيرات و المواقف التي تؤثر في السلوك الاجتماعي. خلاصة القول أن الموضوعات تتشابه مع كلا المجالين، ولكن تختلف طريقة التناول والمنظور الذي تتم الدراسة من خلاله.
أي أن علم النفس الاجتماعي يتشابه مع غيره من العلوم الأخرى في دراسة الظواهر الاجتماعية، ولكن كل من منظور مختلف، وجدير بالذكر توضيح أن علم النفس الاجتماعي ينظر للظاهرة بأكثر من منظور مختلف كالتالي:
1. المنظور الاجتماعي الثقافي :
يركز على أهمية الأعراف الاجتماعية و الثقافة في تشكيل السلوك الجمعي و سلوك الفرد المرتبط بالجماعة. فيفترض أن الأطفال يتعلمون السلوك من خلال التعامل مع المشاكل المختلفة وحلها بالاشتراك مع أطفال آخرين وأفراد بالغين، ومن خلال هذا التعامل يكتسبون قيم و أعراف مجتمعهم، ويظهر ذلك بوضوح في المجتمعات التي تميل إلى الإنغلاق على ثقافة معينة.
2. المنظور التطوري :
يدحض فكرة أن السلوك الاجتماعي يتم اكتسابه عن طريق الوراثة. بدليل التغيرات الاجتماعيىة التي نقلت المجتمعات الغربية من مجتمعات محافظة إلى مجتماعات تدعو إلى كافة اشكال التحرر.
3. منظور التعلم الاجتماعي :
يركز على دور الخبرات الفردية في الأسرة و المدرسة و المجتمع . وفقا لهذا المنظور فإننا نتعلم السلوك من خلال الملاحظة و المحاكاة لسلوكيات الآخرين .
4. المنظور الاجتماعي المعرفي :
حيث يتم ملاحظة و تفسير و تحليل سلوك الآخرين وفقا لأسس التفسير العلمي.
أسس علم النفس الاجتماعي:
هناك عدد من الأوجه الأساسية في علم النفس الاجتماعي:
– يتوجه الهدف الأساسي في علم النفس الاجتماعي نحو دراسة السلوك الاجتماعي، أي التفاعلات المختلفة في المحيط الاجتماعي سعيًا لتحقيق أهداف معينة أو إشباع احتياجات تتمثل في الحاجة لوجود روابط اجتماعية و الرغبة في فهم أنفسنا و فهم الآخرين، و اكتساب الصداقات و اجتذاب أصدقاء جدد و الحفاظ على العلاقات و الصداقات القائمة.
– يساعد التفاعل بين الفرد والمواقف المختلفة في تحديد النتائج، حيث يتصرف الناس في حالات كثيرة بطرق مختلفة تبعًا للمواقف، تلعب العوامل ذات الصلة بالبيئة المحيطة و الموقف نفسه تلعب دورًا هامًا في التأثير في سلوكياتنا.
– يستغرق الناس وقتًا طويلا في تشكيل و تكييف نظرتهم للمواقف الاجتماعية. حيث تؤثر المواقف والتفاعلات الاجتماعية المختلفة في تشكيل المفاهيم وإدراك الأفراد لذواتهم، وهناك طريقة لتشكيل المفهوم الذاتي تسمى عملية التقييم العكسي Reflected Appraisal Process، حيث نتخيل كيف يرانا الآخرون، وهناك طريقة أخرى من خلال عملية المقارنة الاجتماعية Social Comparison Process حيث نعتبر أننا نقارن بأشخاص آخرين من أقراننا، كما نحلل ونفسر سلوك المحيطين بنا على أساس السلوكيات المعتادة والمتوقعة، ونتجاهل أي فعل يشذ عن المتوقع و المألوف من الآخرين فيما يعرف بتأكيد المتوقع Expectation Confirmation، مما يساعد في تبسيط نظرتنا للآخرين، ولكنه من ناحية أخرى يشوه المفهوم العام ويسهم في التنميط.
– يعتبر السلوك مؤشر جيد على فهم شخصيات الآخرين، حيث نحكم على الأشخاص من خلال نظرية الاستدلالات المتطابقة Theory of Correspondent Inferences . حيث يفترض أن أفعال الأشخاص تتطابق مع النيات الداخلية و السمات الشخصية، وبرغم أن السلوك قد يكون متطابق مع دواخل الشخص إلا أن هذا المعيار في الحكم قد يكون مضلل، حيث قد يكون السلوك استجابة طبيعية لموقف معين، بينما تختلف الاستجابة مع أشخاص آخرين له طبائع شخصية غير متزنة.
حازم خزام بالهيئة العامة للإستعلامات برئاسة الجمهورية