أصدر الشاعر محمد هارون ديوانه الأول الذي حمل عنوان “لو تبوحين”.. ويقدم الديوان للساحة الأدبية شاعرًا ذا بصمة متميزة ونفَس شعري ينبئ بأنه عما قريب سيكون واحدًا من الأسماء اللامعة على الساحة..
تنوعت قصائد الديوان ما بين الشعر العمودي وشعر التفعيلة ليقدم مزيجا متجانسا من الشعر في صورته التقليدية لكن بروح عصرية وموضوعات تعبر عن الإنسان المعاصر وخلجاته وقضاياه والشعر الحديث في صورته المتحررة من الوزن والقافية مع الالتزام بالتفعيلة لتظل موسيقى الشعر تعزف على أوتار كلماته وسطوره الشعرية المنسوجة بريشة فنان لا بقلم شاعر..
تنوعت الموضوعات التي تناولها “هارون” في ديوانه “لو تبوحين” ما بين السياسي والديني والعاطفي مؤكدا بذلك دور الشعر الأهم في التعبير عن خلجات النفس ومواجعها وأشواق الروح وعواطفها إلى جانب تبني القضايا الإنسانية والسياسية والوطنية..
لغة “هارون” رصينة قوية استمدها من نشأته القرآنية ودراسته لعلوم العربية بكلية دار العلوم وبحكم عمله في مجال التدقيق اللغوي وتدريس اللغة العربية بالأزهر الشريف فنجد عنده لغة قلَّما نجدها في الشعر الحديث الذي مال أغلبه إلى تساهل لغوي وصل إلى حد العامية ولغة الشارع، فنجد عنده ألفاظا وعبارات من قبيل “الحادي” و”السؤدد” و”أيهذا الشوق” و”الحنايا” و”الوطن المكدود”.. ولا يعني هذا أن الديوان حافل بالعبارات والألفاظ التراثية أو الغريبة.. بل على العكس غلبت عليه لغة عالية وفي ذات الوقت سهلة قريبة من روح العصر من مثل: “عشقت بلادي”، “الوطن التائه”، “نسافر بالأمنيات”، “شمس الأمل”، “نشيد الأماني”..
كما نجد تأثره بالقرآن الكريم والتراث كقوله: “فبئس القرين”، وقوله: “يا أيها النهر زِمْ”..
وفيما يلي – عزيزي القارئ – نماذج من شعر الشاعر محمد هارون تنوعت فيها الأغراض والحالة الوجدانية والقضايا التي تناولها..
يقول “هارون”:
قد عاينتُ سعيركِ حتى
ألجمَني حَرُّ القيظ
وشربتُ مَراركِ حتى
أرهقَني مُر الغيظ
ولبثتُ لياليَ عمري
أقتاتُ العسلَ المُر
أتسوَّلُ حبكِ
يا قاتلتي
وأبيعُ نفيسَ الشِّعر
كي أحظى منكِ
بلحظةِ حبٍّ
****
ويقول من الشعر العمودي:
أنتِ في قلبيَ نورٌ يملأ الدربَ ضياء
أنتِ في نفسي نشيدٌ صار للحادي غِناء
يا مُنى الروح تعالي نرفعُ الحبَّ لواء
نبتني – كالطير – عُشًّا نرتوي فيهِ ارتواء
يقتلُ الحُسَّادَ غيظًا يجعلُ النيرانَ ماء
ويقول من العمودي أيضًا:
ما عسَى يصنعُ قلبٌ مسَّه شوق فذابا؟
ما عسى لو مرَّ يومٌ لم يذُق فيه اضطرابا
إنني متُّ هُيامًا وغرامًا وحنينا
إنني – يا ويحَ قلبي – بتُّ سجانًا سجينا
ما عسى يصنعُ قلبٌ ليس يدري ما جناهُ
ما عسى لو جاء يومٌ أدفأتني راحتاهُ
إنني أهواهُ لكنْ ليت قلبي ما رآهُ
وكان الوطن حاضرا في قصلئد الديوان في أكثر من موضع، فالشاعر يصف ارتباطه بوطنه في كل مراحل حياته وكيف تحولت العلاقة الى علاقة ابن بأمه.. يقول:
عشقت بلاديَ طفلا صغيرا إذا صاح: أمي؛ أجابت: نعمْ
إذا ثار؛ يضرب أرضًا ويبكي فتنشق تنزف ماء يعُمْ
يسيل كنهر، يطوف البلاد فيؤمر: يا أيها النهر، زِمْ
فيجمع ثوبيه حبًّا ويمضي فيـمسي عيونًا تغذي الأمم
عشقتُ بلادي غلامًا جميلا يصارع ظلمًا شديد الظُّلَمْ
ويرسم نورًا بجسمٍ هزيلٍ وروحٍ تكابر أعلى القمم
فيهدي النيامَ ليصحوا ويفنى شهيدًا وتمسي الدماء العلم
عشقت بلادي فتيًّا جريئا يزيح الظلام بنبض العصا
يشق البحار تصيرُ طريقًا فينجو، ويهلك من قد عصى
ولم تغب عن الشاعر قضية العرب والمسلمين الأولى.. فلسطين الجريحة فأعطاها قبسًا من كلماته:
يا فلسطين اشهدي أننا لم نقعدِ
بل طوينا العمر طيًّا في كفاح خالدِ
نبذل الروح بحبٍّ وبعزم صامدِ
ليس يرضى القلب إلا بانهزام المعتدي
يا فلسطينَ الفدا ذلكم جند العِدا
قد أهانوا المسجدا وأضاعوا السؤددا
أخبريهم أننا سوف نلقاهم غدا
ومن القصائد العمودية الرائعة ما كتبه إبان رحيل بوش الابن عن رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية.. يقول عنه:
غزا -والمكرمات له شعارٌ- ديار العُرب أبناءِ الخليلْ
وفرَّق جمعهم في كل بيتٍ وخلَّف حسرةّ في كل جيل
“ومسَّهم وبُسطهمُ حرير” وصبَّحهم ذوي همٍّ ثقيل
ثم يقول على لسان بوش متفاخرًا بما فعله من جرائم في حق العرب:
بهذا الجيش قد حققت حلمي ودمرت الذي يغشى سبيلي
ومزقت الصفوف فلا جهادٌ يؤرقني ولا صوتُ الصهيلِ
ولا الفاروق أخشى أو صلاحًا ولا من جيش هارون الجليلِ
فقد عقموا جميعًا ثم ماتوا وباء العُرب بالهمِّ الطويلِ
وينبري الشاعر ليرد عليه:
فقلت له: رويدك يا غَرورًا فلم تجمع سوى حظٍّ قليلِ
وإن تفقه عرفتَ بأنَّ فينا صلاحًا سوف يخرج بالخيولِ
فلا يُبقي لديكم من سفيهٍ ويمحو عارنا يا ابن الذليلِ
ويقطع نسلكم في غير برٍّ ويشفي صدر أبناء الخليلِ
ومن أروع قصائد الديوان قصيدة “وطن أعزل” التي كتبها قبل ثورة يناير، ومنها: