لواء دكتور/ سمير فرج متابعة عادل شلبى هنري كيسنجر أستاذ السياسة الخارجية والأمن القومي في العالم كله، شغل منصب وزير خارجية أمريكا ومستشار الأمن القومي في ظل حكومات الرؤساء ريتشارد نيكسون وجيرالدفورد. وبسبب نجاحه في التفاوض لوقف إطلاق النار في فيتنام، حصل على جائزة نوبل للسلام عام 1973. كما كان رائد في سياسة الانفراج الدولي مع الاتحاد السوفيتي أبان الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي وأمريكا. وهو الذي نسق افتتاح العلاقات الأمريكية مع الصين، ثم ابتدع بما يعرف بدبلوماسية الوسيط المتنقل في الشرق الأوسط لإنهاء حرب أكتوبر 73 بين مصر وإسرائيل، خاصةً أنه كان قد حاز على صداقة الرئيس أنور السادات. ثم كانت ضربته الكبرى بإنهاء التدخل الأمريكي في فيتنام، الذي أخرج أمريكا من هذا المستنقع الكبير. ولقد كتب كسينجر إثنى عشر كتاباً في التاريخ الدبلوماسي، والعلاقات الدولية. ومن هنا، أصبح شخصية سياسية مثيرة للجدل في العالم كله. ولقد تعرفت عليه، عندما كنت طالباً في كلية كمبرلي الملكية في إنجلترا، وتم تكليفي باختيار كتاب من المكتبة لتلخيصه، وعرضه على الكلية. وبالفعل دخلت المكتبة، وأخذت أهم كتاباته وهو “مفهوم السياسة الخارجية الأمريكية” American Foreign Policy. وحقيقية، لقد استفدت كثيراً من حجم المعلومات في هذا الكتاب، بل أنه تم اختياري كواحد من أحسن خمس دارسين في عرض هذا الكتاب على جميع طلبة الكلية. ومنذ ذلك اليوم، أصبحت من أتباع الفكر السياسي، والاستراتيجي لهذا المفكر العظيم، رغم عدم حبي له شخصياً، لأنه لم ينسى أنه يهودي، من العائلات اليهودية الألمانية، والذي هرب من ألمانيا مع عائلته اليهودية؛ نتيجة للاضطهاد النازي، لذلك كان طول حياته يؤيد إسرائيل، حتى في رحلاته المكوكية، بين مصر وإسرائيل، بعد حرب أكتوبر، لتحقيق السلام، كان دائماً منحازاً لإسرائيل. عموماً، هذا العام، تمت دعوته إلى مؤتمر دافوس 2022، في دورته 71، الذي جمع حوالي 2500 من النخبة من دول العالم، في منتجع دافوس الجبلي السويسري. حيث ناقش هذا العام، الأزمات الإقتصادية والسياسية التي يتعرض لها العالم حالياً. وكانت الخلفية التي انعقد عليها المؤتمر هذا العام، هي الحرب في أوكرانيا، ووباء كوفيد. ولقد منع المؤتمر هذا العام السياسون الروس، بينما ألقى الرئيس الأوكراني زيلينسكي، خطاباً عبر الفيديو كونفرنس. ولقد تمت دعوة هنري كيسنجر للمؤتمر، هذا العام، حيث تحدث يوم الإثنين 23 مايو، وتناول بالطبع القضية الروسية الأوكرانية. حيث أكد أنه يجب على أوكرانيا ان تتخلى عن جزء من أراضيها للتوصل إلى اتفاق سلام مع روسيا. وكان بالطبع يقصد تخلي أوكرانيا عن شبه جزيرة القرم، التي احتلتها روسيا عم 2014، وقامت بعمل استفتاء للشعب هناك، وبعدها أعلنت ضمها مباشرة لتكون جزء من روسيا. وأكد كيسنجرً أن الفشل في أي مفاوضات مع موسكو، سيكون له عواقب وخيمة على كل أوروبا، على المدى الطويل. وشدد في حديثه أمام منتدى دافوس، على ضرورة أن يتم البدء في المفاوضات، في الشهرين القادمين، وإلا سوف تتعقد الأمور، وتحدث اضطرابات وتوترات، لن يتم التغلب عليها بسهولة، وخاصةً مع الدول الاوروبية. وأكد كيسنجر ان الموقف المناسب لأوكرانيا أن تكون دولة محايدة، وأضاف أن استمرار الحرب إلى ما بعد ذلك، سوف يفتح الباب لحرب جديدة مستمرة من جانب الروس. وعلى الفور، جاء رد الرئيس الأوكراني، زيلنسكي، بأن اتهم كيسنجر بالعجوز الذي اقترب عمره من المائة عام، وبأنه لم يعد يعرف ما يقول، وأن أوكرانيا، لن تتنازل عن شبه جزيرة القرم، وأنها سوف تستمر في الحرب لاستعادة آخر شبر في الأراضي الأوكرانية. ويبدو أن نبوءة كيسنجر قد تحققت، فلقد رفض الرئيس الأوكراني هذا المقترح، حيث كانت روسيا قد عرضت على أوكرانيا، من خلال الوسيط التركي، خمس مقترحات، للتوقيع على اتفاقية السلام. وهي إعلان أوكرانيا أنها دولة محايدة، وعدم انضمامها إلى حلف الناتو، والاعتراف بأن شبه جزيرة القرم تابعة لروسيا، والاعتراف باستقلال جمهوريتي لوغانيسك، ودونيتسك، وأخيراً، تعهد أوكرانيا بأنها لن تصبح دولة نووية. وكانت معظم هذه الشروط مقبولة من الجانب الاوكراني، بالطبع، عدا الاعتراف بتنازل أوكرانيا عن شبه جزيرة القرم إلى روسيا، وهذا الأمر الذي اقترحه هنري كيسنجر لتحقيق السلام بين روسيا وأوكرانيا. وبالطبع استمرت أعمال القتال، ونجحت روسيا في احتلال إقليم الدونباس في الأراضيب الأوكرانية، والتي تمثل 20% من الأراضي الأوكرانية. ورغم نجاح أوكرانيا في القيام بهجوم مضاد ناجح، استعادت فيه حوالي خمسة آلاف كيلومتر مربع؛ إلا أن روسيا استمرت في تصعيد أعمال القتال بالظبط كما اكد على ذلك كيسنجر في خطابه في مؤتمر دافوس، بأن بدأت في تنفيذ الاستفتاء في 4 مناطق أوكرانية للانضمام إلى روسيا في جمهوريتي دونيتسك ولوجانسك الشعبيتين، ثم إقليمي خيرسون وزابورجيا في خطوة لضم هذا الأقاليم الأربعة إلى روسيا، بعد موافقة الدوما (البرلمان الروسي). وبذلك يتكرر نفس السيناريو الذي حدث مع ضم شبه جزيرة القرم عام 2014، عندما تم إجراء استفتاء، تبعه ضم شبه الجزيرة إلى روسيا. وهكذا تعقدت المشكلة الروسية الأوكرانية، بالظبط كما ذكر هنري كيسنجر. وازداد الأمر صعوبة في الوصول إلى حل، واتفاقية سلام بين الطرفين، وهذا أيضاً ما أكده كيسنجر في خطابه في دافوس. ويبدو أن هذا السياسي العجوز الذي يدخل في عامه المائة العام القادم، وما زال ذهنه صافياً، بل اعطته خبرة السنين ليقدم هذه النصيحة والمشورة لحل المشكلة الأوكرانية الروسية. والآن أصبح على العالم كله أن ينتظر ماذا سيحدث مستقبلاً، بعد أن أضافت روسيا إلى حدودها 15% من مساحة أوكرانيا، بل وأصبحث أي عمليات قتالية من أوكرانيا ضد هذه المنطقة، هي عدوان على الأراضي الروسية. الأمر الذي سوف يدفع روسيا للرد بصورة عسكرية وقتالية أكثر عنفاً مثل تهديد الأهداف المدنية الأوكرانية، مثل محطات المياه والكهرباء، ومحطات السكك الحديدية، الأمر الذي سيدفع المواطن الأوكراني، إلى الثورة ضد حكومته ورئيسه، في ظل غياب الإدارة الأمريكية حالياً، وعدم قدرتها على اتخاذ قرارات حاسمة؛ حيث أنها مشغولة في انتظار الانتخابات النصفية للكونجرس الأمريكي، والتي سيكون لها تأثير على الانتخابات الرئاسية الأمريكية، بعد عامين من الآن، وأيضاً ستبدأ الدعاية للمرشحين الجدد للرئاسة الأمريكية العام القادم. وعلى الطرف الآخر، ستبدأ دول أوروبا في المعاناة من منع روسيا من تصدير الغاز الطبيعي إليها. ورغم محاولات الدول الأوروبية من الحصول على الغاز من الجزائر، أو دول الخليج، إلا أن ذلك يشكل صعوبة لعدم وجود محطات إسالة للغاز في أوروبا، التي كانت تعتمد على وصول الغاز عبر أنابيب نورد ستريم (1)، وهكذا تحققت نبوءة هنري كيسنجر بأن أوروبا ستعاني من عدم تحقيق السلام بين روسيا وأوكرانيا. لذلك، أصبح من الصعب الوصول إلى حل للمشكلة الروسية الأوكرانية التي أضفت بمشاكلها وتوابعها الإقتصادية، ليس فقط على أوروبا، ولكن على دول العالم الثالث كلها.